لقد عصفت بالعالم العربي أحداث جسام خلال عامنا الحالي 2012 أدت إلى تبخر الرؤية الجميلة المتوقعة من أحداث العام الذي سبق نتيجة لما يسمى بالربيع العربي. فالدول العربية التي اجتاحها ذلك الربيع دخلت في خريف لا يمكن أن تحدد مدته بالشهور بل هي أعوام لا ندري متى تنتهي إذا نظرنا بواقعية للنتائج المترتبة على تلك الأحداث، وبالذات نوعية القوى السياسية التي تقود المشهد السياسي وتتحكم فيه، والتي لم تتمكن من التفريق بين مصلحة الوطن والمصالح الحزبية الضيقة فأدخلت بلدانها في صراعات حزبية أضرّت بالمصالح الحقيقية لشعوبها فتعطلت حركة التنمية، وتدهور الاقتصاد، وتمزق النسيج الاجتماعي لهذه الدول، مما أدى إلى انسداد الأفق السياسي أمام توافق القوى الفاعلة فيها. فقوى الإسلام السياسي في تونس ومصر التي استطاعت إقناع الغرب باعتدالها، وحصلت على دعمه للوصول إلى السلطة، لم تتمكن من استيعاب من حالفتهم في بداية الثورات بل تنكرت لكل تعهداتها معهم وأتقنت تحويلهم إلى خصوم لها بعد أن تمكنت من الوصول إلى الحكم، مما أدى إلى عدم التوافق على الثوابت التي لابد منها لبناء نظام حكم عادل ومستقر قادر على أن يحقق التنمية لمواطنيه. إن تبني شعارات الحرية والعدالة والمساواة والتشدق بها في كل محفل ومؤتمر لا يعني أبداً أن أصحابها لديهم البرامج والخطط أو حتى الرغبة لتحقيقها لشعوبهم. وهكذا ضاقت الحكومات الجديدة في تونس ومصر بشركائهما وحلفائهما في معركتها مع النظامين السابقين بعدما استنفدت الغرض من التحالف معها، وتم تصنيفها في خانة من يريد هدم الدولة والتآمر عليها، بل تم تبني أساليب التهديد والوعيد والعنف في التعامل مع بعضها. والخلاصة أن شركاء الأمس في إسقاط النظامين السابقين تحولوا إلى خصوم اليوم، والخاسر الحقيقي في ذلك كله هو الوطن والمواطن البسيط الذي رأى حلماً فتمناه حقيقة فإذا هو سراب، فالوضع الاقتصادي تدهور وازداد سوءاً والبطالة أرقامها في ارتفاع، وعجلة التنمية تكاد تتوقف والمواطن يعاني ثم يخرج أحدهم ويقول إن الثورة قد حققت أهدافها، وبهذا يكون عام 2012 عام اضطراب سياسي وتدهور اقتصادي وانقسام اجتماعي انقضى ولم يتحقق للشعبين التونسي والمصري التنمية والاستقرار والوحدة الوطنية المنشودة. وأما الأكثر مأساوية بين البلدان العربية في هذا العام فهو سوريا، والتي لا يستطيع الإنسان أن يصف دموية النظام في ذبح الشعب السوري لولا أننا شاهدناها بأم أعيننا على القنوات الفضائية، تلك المذابح التي قد تعبر عن جزء من حقيقة ما يجري وليس عن الحقيقة كلها، وسيأتي اليوم الذي تكشف فيه كل الحقائق حول ما قام به النظام وحلفاؤه ضد الشعب السوري. وأفضل الدول العربية حالا في عام 2012 هي دول الخليج وإن كان بعضها قد واجه أزمات ولكنها بقيت في إطار المعالجة الداخلية، التي لم تؤثر على استقرارها أو عملية التنمية فيها، بل إن دول الخليج استطاعت أن تتوحد في مواجهة التحديات وأن تقدم للعالم دوراً ريادياً وموحداً في نصرة الشعبين الليبي والسوري، وبدأت خطوات محددة نحو تحقيق تطلعات شعوبها في إقامة اتحاد خليجي في البيان الختامي لقمة البحرين.