بمجرد تشغيل جهاز «الإنتركوم»سمعنا في البداية صرخات عديدة... وبعد ذلك ساد صمت رهيب، وكل ما كان بإمكاننا سماعه هو صوت إطلاق النار»... كان هذا هو ما قاله أخصائي علاج في مدرسة «ساندي هوك» الابتدائية بمدينة «نيوتاون» بولاية كونيكتيكيت. كان الصمت تحديداً هو ما شغل بال الجميع... كان هناك ذلك الصمت الذي يلف القاتل عند تنفيذ جريمته. كما كان هناك صمت آخر غريب هو صمت الأطفال الذين لا يكفون عن الضجيج في غالبية الأحوال. كما كان هناك نوع ثالث من الصمت هو صمت المارة في الطريق. ولكن الصمت بالنسبة لهؤلاء الذين لم يتأثروا بالجريمة بشكل مباشر لم يستمر طويلاً. أما نحن فنحاول استعادة السيطرة على الأحداث المفجعة من خلال شرحها. ونحن نشرحها وفقاً لمعتقداتنا السابقة على حدوثها. فالمتدينون منا يرون أن هناك فجوة، تتسع دوماً في نسيج المجتمع الأميركي. أما المهتمون بالصحة النفسية للمجتمع فيرون أمة لم تعد تأبه بآلام وجراح المفجوعين. أما المهتمون بالتحكم في انتشار الأسلحة الشخصية، فيهتمون بالبنادق الهجومية «بوش ماستر 223». في حين يرى هؤلاء الذين يشعرون باليأس جراء تفشي ثقافة العنف «قاتل يطلق النيران من دون تمييز» تماماً مثل القتلة الذين يرونهم في ألعاب الفيديو. ومن بين الطرق التي نحاول بها هزيمة الموت من خلال ضربة بعصا تلك الطريقة التي نقوم فيها بتحويل الرعب العاجز إلى قضية مألوفة. ومن الأمور التي تسيء لأي قضية أيما إساءة أن يسرق المدافعون عنها شيئاً من حزن الآخرين، من أجل تحقيق مصالحهم الأيديولوجية. وفي مثل هذه الحالة يكون البحث عن مضامين سياسية للمأساة أمراً لا يمكن تجاوزه. والهدف الأول لأي حكومة في أي دولة في العالم هو حماية البريء من الشر. وفي نيوتاون كونيكتيكيت لم يكن هناك أحداً أكثر براءة من الأطفال، ولم يكن هناك أحد أكثر شراً من القاتل. وعند قيامنا بصنع السياسات العامة، فإننا لا نقوم بصياغة أمة ابتداء من نقطة الصفر. هناك ما يقرب من 270 مليون سلاح شخصي في أميركا وما يقرب من 11 مليون شخص عانوا من اضطرابات عقلية حادة في العام الماضي. ولكن العنف الذي شاهدناه في هذا المنعطف صغير نوعاً ما. فإن المصابين باضطرابات عقلية لا يشكلون سوى نسبة تتراوح ما بين 3-5 في المئة من مرتكبي الجرائم العنيفة، أما حصيلة الجرائم الجماعية في الولايات المتحدة، أي تلك الجرائم التي يروح ضحيتها أربعة أشخاص أو ما يزيد عن ذلك فتبلغ 160 شخصاً في العام في المتوسط. ولكن الأعداد ليست هي ما يهم. المهم أن مرتكبي حوادث القتل الجماعية، مقارنة بالكوارث الجماعية التي تصيبنا ولا نملك لها دفعاً، يحصدون عدداً كبيراً من أرواح الأبرياء، كما يحصدون جزءاً كبيراً للغاية من إحساسنا بالأمان. علاوة على ذلك تنطوي تلك الجرائم على استخدام تقنيات لا تتناسب إطلاقاً مع ممارسة الرماية الرياضية، أو مع الأسلحة التي تستخدم للدفاع عن النفس. فالبندقية الهجومية «بوش ماستر 223 » هي بندقية نصف آلية تحتوي على مخزن يمكن أن يتسع لـ30 طلقة. والرصاصات التي استخدمها القاتل في جريمة «نيوتاون» من النوع المصمم لإحداث عدد كبير من الجروح القاتلة في أجسام من تصيبه. ومثل هذه المعلومات التقنية، مطلوب منا معرفتها منا عند النظر إلى صور ضحايا ذلك الحادث الرهيب. في بعض الأحيان يُقال إن السياسات العامة المتبعة عديمة الجدوى، لأنها لم تتمكن من منع هذا النوع من الجرائم أو ذاك. ولكن هذا ليس هو النقطة، التي يجب أن يبدأ منها العمل الحكومي من أجل وضع حد لهذه الظاهرة. فالسؤال المنطقي الذي يجب أن نسأله لأنفسنا في هذا الشأن هو: ما هي السياسات الملائمة التي يمكن استخدامها لتقليص احتمال حدوث مثل تلك الحوادث، والتخفيف من شدتها وعنفها إلى أقصى درجة عند حدوثها. الهدف كما هو الحال في كافة الخدمات العامة هو تقليص الخطر والضرر. وهذا الشيء يتضمن توفير خدمات للأشخاص المصابين بأمراض أو اضطرابات عقلية حادة، الذين يكون احتمال العثور عليهم في سجن في أيامنا هذه أكثر من احتمال العثور عليهم في مستشفى. نحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى وضع قواعد صارمة على الأخصائيين العاملين في مجال الصحة العقلية، يلزمهم بضرورة الإبلاغ فوراً ومن دون إبطاء على أي تهديدات يمكن أن يلاحظوها أثناء مراقبة سلوك مرضاهم. وسوف يتطلب الأمر كذلك زيادة التدابير الأمنية في المدارس، وهو ما سيضيف حتماً أعباء إضافية على إداراتها. يجب علينا أن نعلم بعد ذلك كله أن هذه الجهود كلها سوف توفر فقط أملاً بتحقيق مكاسب هامشية في مجال انتشار الأسلحة الشخصية، ولكنها لن تؤدي بحال إلى توفير الآمان الكامل. فمما يؤسف له أنه ليس هناك استجابة سياسية كافية تعادل الدمار المعنوي الذي نحس به، عندما ندفن طفلا ً مات نتيجة حادث قتل جماعي أو مات بسبب سائق مخمور، أو حتى مات صدفة بسبب طلقات رصاص متبادلة بين أفراد عصابتين متنافستين. بيد أن ذلك كله لا يعني أننا عاجزون عن العمل عندما يتعلق الأمر بسلامة أطفالنا وأبنائنا. ذلك لأن الاستجابة الأولى لما هو غير مقبول، هي عدم قبوله. ـــــــ مايكل جيرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»