تثير التعليقات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، على خطاب مشعل في غزة، علامة تعجب كبيرة سجلتها الصحافة الإسرائيلية، تقول صحيفة «يديعوت أحرونوت» على سبيل المثال، إن نتنياهو اختار بعد خطاب مشعل أن يهاجم «عباس» لأنه لم يستنكر الخطاب، مضيفاً أن «عباس» أيضاً لم يستنكر قيام «حماس» بإطلاق الصواريخ على إسرائيل. وفي تقديري أن نتنياهو أراد بتوجيه سهامه ناحية رئيس السلطة أن يقول لجماهيره قبل الانتخابات القادمة في 22 يناير، إن تعنته في مفاوضات السلام وإصراره على الاستيطان وتصميمه على إرغام السلطة الفلسطينية على الاعتراف بإسرائيل كدولة لليهود، ومخططه للاحتفاظ بكتل الاستيطان الكبرى وغور الأردن في أي تسوية، كلها أمور صائبة. لماذا؟ لأن «عباس» المعتدل يوافق على إطلاق صواريخ «حماس» من غزة ويستحسن ما قاله مشعل في خطابه عندما تعهد بعدم الاعتراف بإسرائيل، وعندما أكد أن فلسطين من النهر إلى البحر ومن شمالها إلى جنوبها أرض الفلسطينيين وحقهم الوطني. لقد اعتبر نتنياهو كلام مشعل تهديداً بتدمير إسرائيل وبالتالي فإن صمت عباس على هذا الكلام يمثل استحساناً له وهو أمر يثبت من وجهة نظر نتنياهو صواب سياساته المتعنتة. قال نتنياهو في جلسة الحكومة الإسرائيلية بالنص: «ما يثير الاهتمام هو أن «أبومازن» على نحو خاص لم يستنكر الكلمات عن تدمير إسرائيل كما أنه، للأسف، يسعى للوحدة مع حماس المدعومة من إيران». لست في حاجة إلى كشف هذا النوع من تزييف الحقائق الذي يمارسه نتنياهو للسيطرة على وعي الجماهير الإسرائيلية، فهو الممثل لدولة الاحتلال وهو الممثل للأطماع التوسعية في الضفة الغربية، وهو الذي يتجاهل الإشارات الإيجابية التي أرسلها مشعل في خطابه عندما قال بالنص فاتحاً الطريق أمام الحل السياسي السلمي: «إذا وجد العالم طريقة ليست فيها مقاومة ودم تعيد لنا فلسطين والقدس والعودة وإنهاء الاحتلال فأهلاً وسهلاً». إن نتنياهو لا يريد عمداً أن يلتقط معنى الإشارة الثانية التي أرسلها مشعل حول الاستعداد للتسوية على أساس حل الدولتين، وهي إشارة ضمنية لكنها لا تخفى عن أعين السياسيين، فقد رحب بحصول الفلسطينيين على صفة مراقب في الأمم المتحدة قائلاً إن هذا أصبح سلاحاً لدينا، فلقد أصبحت الأرض الفلسطينية أرض دولة محتلة، ثم دعا إسرائيل إلى الخروج من الضفة الغربية إذا أرادت العيش المشترك. إن هذه الإشارة تعني عند المراقبين والسياسيين استعداداً لقبول حل الدولتين على أساس انسحاب إسرائيل من كامل أرض الضفة المحتلة والقدس الشرقية. غير أن نتنياهو غير معني أصلاً بأي إشارة سلمية، بدليل عدم اهتمامه بالتجاوب مع عباس، رجل السلام والاعتدال الذي يعلن نبذه لأسلوب الكفاح المسلح ويتطوع بأحاديث تلفزيونية للتلفزيون الإسرائيلي يعلن فيها تنازله شخصياً عن حق العودة إلى بيته الذي طرد منه مع عائلته عام 1948. إن نتنياهو يتجاهل كل إشارات السلام عند عباس وعند مشعل على حد سواء، ويختار في كلمته أمام مجلس الوزراء أن يقول الكلمات التالية بالنص: «لقد اكتشفنا الوجه الحقيقي لأعدائنا مرة ثانية، فليس لديهم أية نية للتصالح والوصول إلى حل وسط معنا. إنهم يريدون تدمير الدولة، وبالطبع فإنهم سيفشلون في هذا». هكذا يبرر نتنياهو سياساته التوسعية القبيحة ليشعل حماس الجماهير الانتخابية.