مجتمع المعرفة... رهان المستقبل
اختتمت بمدينة فاس يوم الأحد الماضي أشغال منتدى فاس الدولي في موضوع: التربية والتعليم وتنمية المجتمع في الوطن العربي التحديات والآفاق الذي نظمه المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية بتعاون مع عدة شركاء مغاربة وأجانب.
وقد شاركت في هذا المنتدى صفوة من المختصين من رجالات الدولة والفكر والأدب والدين ورجالات السياسة وممثلي المجتمع المدني من القارات الخمس... وخرج المنتدى بتوصيات هادفة أريد أن أشرك القارئ الكريم في بعض منها:
- أجمع المشاركون في منتدى فاس على التخلف النسبي للمنطقة العربية في اكتساب المعرفة ناهيك عن إنتاجها، ولذا فإن على كل مجتمع وقطر عربي أن يسعى إلى تطوير هذا المورد الإنساني الذي لا ينقص بل ينمو باستعماله، وتتكون المعرفة من البيانات والمعلومات والإرشادات والأفكار، أو بمعنى آخر مجمل البنى الرمزية التي يحملها الإنسان أو يمتلكها المجتمع، في سياق دلالي وتاريخي محدد، وتوجه السلوك البشري، فردياً ومؤسسياً، في مجالات النشاط الإنساني كافة في إنتاج السلع والخدمات، وفي نشاط المجتمع المدني والسياسة وفي الحياة الخاصة.
- ضرورة إعادة النظر في المنظومة التربوية والنموذج المعرفي السائد في الوطن العربي ليسهم في إقامة التنمية الإنسانية، فالمنظومة ذاتها تعاني تخلف المجتمع، لكونها جزءاً لا يتجزأ منه، وتحد من فعالياتها قيود كثيرة يفرضها هذا السياق المجتمعي.
- على كل المجتمعات العربية أن تكافئ بشكل جلي، اكتساب المعرفة وتوظيفها من خلال التعليم والتعلم والبحث والتطوير الثقافي، وجميع صنوف التعبير الأدبي والفني.
- يجب تطوير البنى المجتمعية القائمة: الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للرقي بحظ المجتمع في اكتساب المعرفة الصحيحة ولإقامة مجتمع معرفي يصبو إلى تأسيس نمط إنتاج المعرفة عوضاً عن هيمنة نمط الإنتاج الريْعي، القائم في بعض البلدان العربية ولإقامة مبدأ ناظم لجماع الحياة البشرية، ولتتحول الثروة المعرفية إلى رأسمال معرفي.
- يجب على الفاعلين في المجال السياسي العام في البلدان العربية محاربة ضعف منظومة المعرفة، لأنه بضعفها وتفشي آليات اجتماعية بديلة لحل المشكلات المجتمعية مثل المحسوبية والمحاباة، تسود انطباعات غير صحيحة، عن عدم جدوى المعرفة في حل مشكلات النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
- حيا المجتمعون حصول فلسطين على دولة غير عضو في الأمم المتحدة، فالنضال الفلسطيني هو قضية شعب يسعى لنيل ما نالته سائر شعوب الأرض، الحرية والاستقلال والحياة الإنسانية بكرامة وسلام وأمان، وذلك هو الأساس الطبيعي لكل تنمية إنسانية.
- دعا المشاركون إلى النشر الكامل للتعليم راقي النوعية، مع إيلاء عناية خاصة لطرفي المتصل التعليمي وللتعلم المستمر مدى الحياة؛ كما دعوا إلى توطين العلم وبناء قدرة ذاتية في البحث والتطوير الثقافي في جميع النشاطات المجتمعية؛ كما دعوا إلى التحول الحثيث نحو نمط إنتاج المعرفة في البنية الاجتماعية والاقتصادية العربية؛ كما دعوا إلى تأسيس نموذج معرفي عربي عام أصيل، منفتح ومستنير، وهي أركان خمسة لإصلاح السياق المجتمعي لاكتساب المعرفة، وتقوية منظومة اكتساب المعرفة ذاتها في الوطن العربي وصولًا لإقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية.
- التسريع بتشجيع اكتساب القدرات الأساسية على التعلم الذاتي وملكات التحليل والنقد المؤسِّسة للإبداع والابتكار في الوطن العربي.
- يتعين أن يتحول هدف التعليم العالي في البلدان العربية من مجرد تخريج متعلمين يحملون كماً من المعلومات سرعان ما يبلى إلى إعداد مواطنين لمجتمع المعرفة، قابلين للتعلم الذاتي والمستمر وقادرين عليه...
… وغيرها من التوصيات التي بلغت الثلاثين...
فالمطلوب من العالم العربي هو البحث عن قاعدة تعليمية صلبة ومتمكنة، وهذا يستلزم جهداً كبيراً من كل المعنيين بشأن التعليم لمعرفة مدى ملاءمة المناهج التربوية والنظام التعليمي المسطر مع الأهداف المرسومة والاستراتيجيات المرجوة، وهذا العمل يقوم به باستمرار مثلًا القائمون على الإدارة التربوية العامة في أميركا وفي اليابان، خاصة إذا استحضرنا نسبة الأمية التي تصل في بعض الأقطار العربية إلى 60 في المئة، في حين أن هذه النسبة تنعدم في الدول الصناعية، كما أنه ليس لدينا أي تصور في إعداد وإيجاد الحلول للمشاكل المستعصية في السياسات التعليمية.
إن وطننا العربي له كل الإمكانيات المطلوبة ويكفي زيارة شركة الإيرباص أو شركة بوينج أو شركة رينو وفولفو لصناعة السيارات، حيث ستجد العرب يشتغلون في كل جزئيات التصنيع والتخطيط والتسيير، وإذا ساءلتهم، فستجد عندهم رغبة أكيدة لاستثمار معارفهم خدمة لبلدانهم ولوطنهم العربي.
وفي المجمل، فقد دعا المنتدى إلى سياسة عربية- إسلامية موحدة تمكن من انبثاق ونمو وإدخال كل الطاقات البشرية العربية والإسلامية في مجال التنمية التشاركية، وبذلك نكون قد حققنا وسائل للتغيير نحو الأنماط المجتمعية التي تسمح، ليس فقط بتحقيق القيم الإنسانية المثلى، بل أيضاً بزيادة قدرتها على التحكم والسيطرة على نمو المجتمع. فالتنمية عملية شمولية تتكامل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي بالتالي عملية مخططة ومحكمة تحدث تغييراً جذريّاً في بناء اقتصادي قوي؛ كما تكون السياسة التنموية تعبيراً عن آراء المواطنين واستجابة لحاجاتهم؛ وفي هذا الصدد دعا المنتدى في آخر توصية له جامعة الدول العربية بخلق مجلس يسمى بالمجلس العربي للبحوث العلمية والتنموية. وهذا سيكون بمثابة تجسيد وتفعيل للأولويات التي يجب أن تشتغل عليها الأقطار العربية والمنظومة العربية، بصفة عامة.