لقد جاء قانون مكافحة تقنية المعلومات ليسد فراغاً تشريعياً أتاح للبعض التعدي على حقوق الآخرين واستخدام الفضاء الإلكتروني للاستيلاء على أموال الغير، واستغلال ذلك الفراغ للإساءة للآخرين أو للدولة ورموزها دون خشية عقاب أو مساءلة. ويتميز القانون الجديد بشموليته وتوازنه في التعاطي مع واقع الفضاء الإلكتروني بما يحفظ حقوق الناس ويوفر رادعاً قوياً لمن اعتاد استغلال ذلك الفضاء لغش الآخرين أو خداعهم في مجال الأعمال أو الترويج للممنوعات أو الاتجار بالبشر. وكذلك شكل القانون الجديد أساساً واضحاً للتعامل مع من يسيء للدولة ورموزها أو ينشر الشائعات أو يقذف ويسب الآخرين وجعل ذلك يتم في إطار قانوني يحفظ مصالح الناس ويحمي أعراضهم. وقد تشكل شمولية القانون في القضايا التي تضمنها مفاجأة لمن هو بعيد عن استخدام التقنيات الحديثة في التجارة الإلكترونية والإعلام والتواصل اليومي بين الناس، وذلك لأنه تضمن جوانب تجارية واجتماعية وسياسية ودينية لا يدركها العديد منهم، ولذا فإن توعية عامة الناس بما يتضمنه هذا القانون وتعريفهم ببنوده وتوضيح أن إقرار هذا القانون إنما جاء لحفظ حقوقهم المادية والمعنوية وردع من أساء استخدام تقنية المعلومات في الماضي في التعدي والإساءة للآخرين سواء كانوا أشخاصاً أو مؤسسات أو رموزاً للدولة ونظامها. إن الهدف من اعتماد القانون إنما هو حفظ الحقوق وليس معاقبة الناس، ولذا فلابد من القيام بحملة تعريفية بهذا القانون وما يتضمنه كي لا يقع البعض في مخالفته بحجة الجهل ببنوده، وإن كان الجهل بالقانون لا يعفي صاحبه من المساءلة، وهنا يأتي دور وزارة العدل وجمعية المحامين ورجال القانون وبالذات النشطاء منهم في مواقع التواصل الاجتماعي في القيام بهذه المهمة. ومن الطبيعي أن نجد فئة متضررة من إقرار مثل هذا القانون كغيره من القوانين وستتولى التشهير به والبحث عن مسوغات للطعن فيه لأنه يضع حداً لتجاوزاتها ويصنف بعض أقوالها أو أفعالها ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، وستعمل هذه الفئة على مهاجمة القانون الجديد من بوابة أنه يحد من الحريات العامة من أجل حشد الدعم الخارجي لهم، ولاشك أن القوانين في عمومها تقيد الحريات التي قد تسبب ضرراً للأفراد والمجتمعات لأن الحريات المطلقة إنما تؤدي للفوضي التي تسيء إلى المقدسات والرموز الدينية، وتدمر أخلاقيات المجتمعات وتمزق نسيجها الاجتماعي، وتتعدى على حقوق الأفراد وتثير الفتن وتنشر الشائعات. والحال أن العديد من الدول المتقدمة تصدر القوانين التي تقيد الحريات، وتحد من حريات التعبير خدمة لأهداف محددة دون اعتبار لمبادئ الحرية مثل قوانين عدم التشكيك في وقوع المحرقة لليهود في الحرب العالمية الثانية، وقوانين النقاب والحجاب في بعض الدول الأوروبية، وكذلك قوانين مكافحة الإرهاب في العديد من دول العالم. والحقيقة أن ثقافة احترام القانون والالتزام به تدل على وعي ونضج الفرد ورقي المجتمع، ونشر هذه الثقافة بين عامة الناس مسؤولية تضامنية بين أفراد المجتمع لأن ثمرة ذلك استقراره ورقيه واستمرارية عملية التنمية فيه.