يقول علماء النفس، إن أطول مدة يدوم فيها الحزن هي ثلاث سنوات. واعتباراً من الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإلى اليوم، لابد أن يكون الأميركيون قد مروا بعدة مراحل من الحزن والأسى، تراوحت بين الصدمة وعدم التصديق، والغضب ودرجة ما من درجات التسليم والقبول. غير أنه لا يزال بنا خوف دفين، يمنعنا من التعافي التام من أثر تلك الصدمة العنيفة. وهو في ظني، خوف يمتد بعيداً إلى ما وراء أسامة بن لادن، واحتمالات تعرضنا لهجمات أخرى في المستقبل. ذاك هو خوفنا الذي يتمحور حول علاقتنا بالإسلام نفسه كعقيدة وثقافة. لقد كان الإسلام مألوفاً لغالبية الأميركيين ممن اجتازوا المرحلة السابعة من فصولهم الدراسية في مادة العلوم الاجتماعية. إلا أنه اليوم، تحول إلى مرادف في أذهان الكثيرين منا، لذلك الخطر الأمني الأكبر الذي نواجهه، في مرحلة ما بعدة نهاية الحرب الباردة. وحتى ونحن نكابد في سبيل فهمه واستيعابه، فإن الكثيرين منا يظلون على خوفهم منه. وترانا نتظاهر بأننا لسنا متعصبين ضده، وأننا ندرك أن ملايين المسلمين لا يؤيدون تلك الشلالات من الدم التي تخلفها في كل مرة الضربات الـ"بن لادنية". لكن وعلى رغم ذلك التظاهر، فإننا في دخيلة أنفسنا ننظر إلى أولئك المسلمين البالغ عددهم 1.2 مليار، المنتشرين في 53 دولة إسلامية، كما لو كانوا يشكلون كتلة واحدة صماء، من الخطر الذي يتهددنا وترتعد له فرائصنا. لذا ونتيجة لذلك الخوف، فإننا نسدل في لا وعينا، ستاراً أخضر على العالم الإسلامي كله، فنقيم بذلك حاجزاً لا سبيل إلى كسره في دواخلنا.
غير أن تحدي تقدير دور الإسلام في القرن الحادي والعشرين، لا يزال قائماً أمامنا، على رغم خوف غالبيتنا من مواجهة هذه الحقيقة. ولطالما أننا نواصل تكرار الخطأ نفسه، فإننا لن نكون في مأمن، مهما أنفقنا من مليارات الدولارات في الإجراءات الأمنية والاحترازية ضد "الإرهاب". وباستثناء الحملة العسكرية اللازمة، التي تستهدف ملاحقة أسامة بن لادن، وأفراد وعناصر شبكته وخلاياه، فإن العضلات العسكرية، ليست ذات نفع وفاعلية بالضرورة، في كل الجبهات والأحوال، خاصة إن كنا نريد إحراز أي تقدم في حربنا على "الإرهاب". كما لن تفيد في هذا، الحملات الدبلوماسية الملطفة، التي تستهدف دفع النظم الشمولية الحاكمة في العالم الإسلامي، إلى تبني الديمقراطية، وفق رؤانا وتصوراتنا.
فهناك استراتيجية أخرى، لدى خبراء الشؤون الشرق أوسطية، مفادها إشراك الجماعات والحركات الإسلامية في مجرى العملية السياسية. وتعني الدعوة هذه، منح الأحزاب الإسلامية مساحة معقولة للحركة داخل الحلبة السياسية، وإتاحة فضاء من الحرية لعملها، يساعد في امتصاص مشاعر الغضب، والشعور بمرارة التهميش والإقصاء. وأكثر من ذلك، فإن الدعوة هذه، تعني قبول بل احتضان الفكرة القائلة إن الإسلام ليس بحد ذاته عقبة أو مشكلة، بقدر ما هو منفذ من مأزق سياسي، ظل يواصل تناميه وتعقيداته عبر فترة امتدت لعدة عقود. كما أن دلالة هذه الدعوة على صعيد الممارسة السياسية العملية، هي ألا نكتفي بمجرد دعم الأنظمة والحكومات الوطنية الليبرالية-التي تقف سلفاً إلى صفنا في منطقة الشرق الأوسط فحسب- بل أن نمضي خطوة أبعد من ذلك، ونشجع الأحزاب والتيارات الإسلامية في المنطقة، ونحثها على المشاركة السياسية. وخلاصة القول، إن علينا أكثر من أي وقت مضى، أن نميز الآن بين الإسلاميين و"الإرهابيين"، وأن نتقبل كل من يبدي استعداداً للعمل من داخل النظام السياسي بغية تغييره، بدلا من العمل من خارجه، بهدف تدميره.
تقول "إلين ليبسون"، رئيسة مركز "ستيمسون"- وهو مؤسسة متخصصة في بحوث ودراسات الأمن الدولي بواشنطن- إنه من الصعب جداً أن نتخيل تطور العملية السياسية خلال العشرين عاماً المقبلة، دون انخراط الإسلاميين فيها. فقد حصل الإسلاميون على شرعية سياسية في مجتمعاتهم. ولا سبيل لمحوهم بين ليلة وضحاها، بتأييدنا للأنشطة السياسية التي تقوم بها الجماعات والفئات الصغيرة من العلمانيين الحداثيين. وفي سبيل نجاح العملية السياسية خلال الفترة المشار إليها أعلاه، فإنه لابد من تخيل فضاء سياسي، يضم الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء. على الصعيد نفسه، يقرر علماء وباحثو الشؤون الشرق أوسطية، أن الوقت قد فات على فعل أي شيء آخر أقل من هذا. فليس ثمة خيار آخر، عدا تحييد وإقصاء المزيد من المسلمين، بإقصائنا للتيار الإسلامي في المنطقة. وإذا كانت أعداد أكثر فأكثر من مسلمي المنطقة، قد وجدت ملاذاً وحيداً لها في المسجد، واعتكفت فيه، فما ذلك إلا بسبب دعمنا للأنظمة السياسية الضيقة المغلقة، التي لم تسفر إلا عن فساد سياسي اقتصادي.
يقيناً فإن فكرة إشراك الإسلاميين في العملية السياسية، لا تبدو فكرة مريحة بالنسبة للكثير منا في المجتمعات العلمانية. ذلك أن دعوة كهذه، تستعيد إلى الذاكرة الجمعية مباشرة، صور الزعماء الإيرانيين المتشددين، وذكريات الرهائن الأميركيين في طهران، إلى جانب صور القهر والاضطهاد الذي تتعرض له النساء، و