لماذا لا تُستحدث هيئة اتحادية تعنى بالحفاظ على الهوية الوطنية، ومركزٌ بحثيٌ متخصص يدار من قبل كفاءات مواطنة تدرك عمق المشكلة لتضع حلولاً تناسب حجم وطبيعة المشكلة سالم سالمين النعيمي كاتب وباحث إماراتي في التعايش السلمي وحوار الثقافات حتى نرسم خريطة طريق تعزز هويتنا الوطنية، أرى بأنه لا بد من الاتفاق أولاً على مفهوم وتعريف الهوية الوطنية، وذلك حتى لا تكون عرضة لسوء التفسير والتطرف والتعصب وتغذية العِداء والتعصب ضد الشعوب والجماعات المختلفة، وحتى نُدرك إذا ما كنا فعلاً نعاني من أزمة هوية وطنية وفق معطيات ومؤشرات يمكن قياسها بعيداً عن التعريفات التاريخية القديمة والحديثة. فالمسألة تتعلق بدراسة جذور المشكلة وتحديد فرق العمل ودور المجتمع ككل في حل هذه الأزمة بحيث يتم إيجاد خطط وإجراءات وسيناريوهات يتم التدرب عليها وسن قوانين وسياسات فعّالة وتكليف قيادة ميدانية موحدة متفرغة مع تحديد دور ومهام الجهات المساندة وآليات وإجراءات إشراك المجتمع ككل في تنفيذ الخطط التشغيلية لتلك الخطة الاستراتيجية، وفق استراتيجية شمولية تمتد على أقل تقدير لعشرين سنة قادمة. هذه الأزمة التي تعاني منها كل دول العالم دون استثناء تدعونا للتساؤل: هل الهوية الوطنية هي مجموعة القيم والأخلاق والعادات والممارسات والمعتقدات التي تؤمن بها جماعة بشرية تجمعها أرض جغرافية مستقلة لا تخضع لأي نوع من أنواع الهيمنة وتعكس أفعالها التقيّد بنُظم وأعراف المجتمع واحترام سيادة القانون فيه أم لا؟ وإذا كان الأمر كذلك هل يستطيع أي مجتمع في العالم الحفاظ على هويته الوطنية وفق هيمنة معايير وقيم الدول والتكتلات العظمى على مختلف مناحي الحياة؟ من وجهة نظري أن الهوية الوطنية تعني الانتظام العام غير المشروط في الحفاظ على كل مكونات ومكتسبات ومصالح وقيم وعادات وتقاليد ونظم مجتمع يحمل أفراده الجنسية نفسها في دولة ما وفق مبدأ أخلاقي في إطار مجتمعي متماسك والالتزام بما ينص عليه الدستور والقوانين المحلية والدولية واحترام المبادئ الإنسانية المشتركة والسماح بالاختلاف وتنوع الأفكار والرأي الآخر ومعتقده ووجهة نظره إن لم يمس الاختلاف والقيم والآراء والأفكار سيادة ووحدة الوطن مع الاعتراف المطلق بأن تربية الأجيال على حب الوطن وحبها له وطاعتها لولاة الأمر والتضحية للحفاظ على مكتسباته وهويته والدفاع عن أراضيه وحدوده هي مسلمات لا تقبل التفاوض وتقديم التنازلات. ومن جانب آخر أن الهوية الوطنية منظومة مركبة معقدة ليس بالسهولة أن يتم تجاهل معطيات التشابك فيها، فهي تحتوي بصورة طبيعية على مقومات وممارسات الولاء والانتماء واتّباع عادات وتقاليد وقيم معينة يتحكم بها علاقة الفرد بخالقه والنفس والأسرة ومحيطه العائلي والقبلي والمجتمعي في القرية، أو الحي والمدينة ومن ثم الدولة ككل في ما يطلق عليه بصورة كلية مجتمع الهوية الوطنية، ولذلك، فإنه لنجاح أي خطة توضع لحل مشكلة الهوية الوطنية والانتماء يجب أن لا يغفل أي عنصر من عناصر مكونات التفاعل للبناء والمحافظة على الهوية الوطنية بصورة فردية ومجتمعية لا سيما في ما يخص العامل المشترك الأكبر، ألا وهي اللغة وأهمية الحفاظ عليها كوسيلة تُخاطب لفظي وخطي وموروث أزلي. ومن المتناقضات الغريبة في هذا الطرح أن الكثير ممن يطالبون بتعزيز الهوية الوطنية تتم معظم اجتماعاتهم الرسمية باللغة الإنجليزية، ومن المضحك والمبكي في آن واحد أن حتى بعض الاجتماعات التي تتحدث عن الهوية الوطنية نصف ما يناقش فيها يدور باللغة الأجنبية، وعندما تفتح المذياع أو القناة التلفزيونية المحلية تسمع جميع اللهجات ما عدا اللهجة الإماراتية، وكأنها معوق يمنع من وصول الرسالة للمستمع أو المشاهد باسم تعدد الجنسيات والمواطنون أقلية ، فلا أرى ضرراً في توطين الوجه أو الصوت الظاهر في الإعلام. فإن القضية الأكثر أهمية في مسألة الهوية الوطنية هي أنها ليست مجرد مظهر خارجي لا يمثل كيان الإنسان، ولكنها تصرف وفكر وسلوك ومنظومة أخلاقية، فتجد من يتحدث عن الهوية الوطنية في كل مكان لا يحدث أبناءه باللغة العربية، ولا يطبقون ما ورثوه من أجدادهم من عادات وتقاليد عريقة إلا في ما ندر، فهم لا يحترمون قواعد السير، ولا يقفون في الصف النظامي لإنجاز معاملاتهم، وينظرون للآخرين نظرة تكاد تكون طبقيه بغيضة والتحدث والتعامل بكبرياء يصل لحد الغرور والتعالي مع البشر الذين لا يعكسون شخصياتهم من حيث الشكل أو القبيلة أو المنطقة الجغرافية أو المكانة الاجتماعية أو العلمية ومنهم من يتقاعس في أداء مهنته بإخلاص، ويعرقل تقدم الآخرين في محيط عمله، ولا يتعاون معهم ليظهر بمظهر البطل المخلص وسيد إنجاز وتفوق ويخذل قسمه أو إدارته أو وزارته في شخصه. فموضوع الهوية الوطنية متشعب للغاية في حقيقة الأمر، فلا الأم التي تترك أبناءها لتربية المربية الفلبينية تساهم في الحفاظ على الهوية، ولا الأب الذي يهمل تربية أبنائه ويسيء معاملتهم، أو لا يجالسهم إلا في وقت محدود وغير نوعي يكاد لا يذكر، ولا يطلعهم على أهمية موروثنا الإماراتي، فهو أو هي لا يدركون مدى الضرر الواقع من جرّاء سلوكياتهم وممارساتهم على منظومة الحفاظ على هويتنا الوطنية . الهوية الوطنية ليست شعارات نرددها، أو وقوف طلاب المدارس لسماع النشيد الوطني، أوحفاظ أبنائنا على الزي الوطني وتنفيذ برامج لتعزيز الهوية، ومن يضع البرامج وينفذها ويقيس مدى نجاحها ويقوم بالدراسات ويشرف عليها ليس من مواطني الدولة المدرك للمعنى الحقيقي للهوية الوطنية الإماراتية وأهميتها في بقاء كيان صرح الدولة. فيبدو لي أن الهرم مقلوب ولا بد من البدء بتشييد الأساس على أسس وطنية ليكون البناء مستداماً ومن دون شوائب وعيوب رئيسية تذكر، وتزامناً مع البناء لا بد للجهات المعنية من تثقيف المواطن وإقناعه وتدريبه وإلزامه بقوانين آليات العيش في هذا البناء دون إيقاع ضرر به، ليحميه من حر الهجير، وهبوب العواصف المدمرة. وفي حالة حدوث فيضان أو وقوع زلزال يبقى البناء شامخاً، وفيه ما يكفي لبقائهم على قيد الحياة، فالهوية الوطنية هي جوهر بقاء وتطور الأمم، وليست إجراء أو مشروعاً تصحيحياً فقط. وإذا كنا ننادي بالاحترافية والتخصص في كل أمر لتأديته على أكمل وجه، فلماذا لا تُستحدث هيئة اتحادية تعنى بالحفاظ على الهوية الوطنية، ومركزٌ بحثيٌ متخصص يدار من قبل كفاءات مواطنة تدرك عمق المشكلة لتضع حلولاً محلية غير مستوردة أو تتم أَمْرتَتَّها (بصبغة إماراتية خالصة) لتناسب حجم وطبيعة المشكلة.