لاشك أن تصريحات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، الأسبوع الماضي، بشأن تنظيم "الإخوان المسلمين" قد وضعت النقاط على الحروف، بوضوح وبلاغة، فيما يتعلق بحقيقة ذلك التنظيم الدولي، وأجندته النائمة، التي تشكل خطراً ماثلاً على كل دول المنطقة وشعوبها، وعلى نحو لا يمكن التعامل معه بمنطق سياسة النعامة، بل لابد من مواجهته بمنطق القانون والشرعية والمصالح الوطنية، وبإرادة لا تخشى في خدمة الصالح العام لومة لائم. وما ذكره سموه من حقائق ووقائع يُجمع عليه أيضاً الخبراء والعارفون بأجندة "الإخوان" ومؤامراتهم، وسعيهم المزمن لزعزعة استقرار الدول، والاستيلاء على السلطة، وفرض إرادة تلك الجماعة الشمولية على الأوطان والشعوب. وإلى جانب الخبراء والعارفين سبق أيضاً للعديد من المسؤولين وصناع القرار الخليجيين أن حذروا مراراً وتكراراً من خطر ذلك التنظيم، وفي هذا المقام، يتذكر الجميع كلمة ولي العهد السعودي السابق الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، الذي قال بصراحة إن "الإخوان" هم "أصل البلاء". وهل هنالك بلاء أكبر وأخطر من ممارسات تنظيم سري يسعى لنخر الدول، والإضرار بمصالحها، والإخلال بأمنها، والتغلغل في مؤسساتها، والتغرير بشبابها وأطفالها وغسل أدمغتهم وجعلهم بيادق يحركها المندسون والمتآمرون على رقعة خيانة الأوطان وعقوق الإنسان؟ وهل هنالك بلاء أشنع وأفظع من ممارسات زمرة وصولية، ذات توجهات انتهازية، تتمرغ في أوحال الخيانة والتآمر، وتتمسح بعتبات التنطع لقضايا الشأن العام و"الإصلاح" من حيث تريد الإفساد، والإضرار بمصالح البلاد والعباد؟ وقد جاءت أيضاً تصريحات سمو وزير الخارجية في وقتها تماماً، حيث يجد الرأي العام العربي نفسه اليوم في أمسِّ الحاجة إلى سماع كلمة حق وصدق بشأن هذه الجماعة السرية، التي يردد الآن ببغاواتها في أكثر من دولة عربية جعجعتها الرخيصة، ساعين لخداع ضعاف العقول وجعلهم نهباً للتضليل ووقوداً لأجندة "الإخوان"، ودعاياتهم المدسوسة. وأفضل طريقة للرد طبعاً على تلك الدعاوى والدعايات هي تسمية الأشياء بمسمياتها، بجلاء ووضوح، ليظهر الحق ويدمغ الباطل. ونحن في موقف أخلاقي وسياسي مريح تماماً للحديث في هذا الموضوع بمكاشفة ووضوح وصراحة. ولاشك أن الحاجة تزداد اليوم لتبصير الإنسان العربي وتنويره حول خطر "الإخوان" وسط بلايا، ما بات يسمى "الربيع العربي"! وأي ربيع؟ شخصياً لا أرى في هذا الاسم إلا إفراطاً في التحامل، وقد رأينا مخرجاته في أكثر من حالة عربية، حيث استبدل الاستقرار بالدمار، وبات عنوان المرحلة في أكثر من عاصمة التخبط والفشل وعنف الكل ضد الكل، والفتن المتلاطمة كقطع الليل المظلمة! ولا تسأل طبعاً عن الديمقراطية، ومدى صدقية ما أسفرت عنه صناديق الاقتراع، ما دامت قواعد اللعبة مغشوشة فعلاً ومكعباتها مزورة أصلاً وفصلاً، بل اسأل عن اللاديمقراطية، وتغول الجماعات الأصولية والشمولية كجماعة "الإخوان"، وما خرج من قماطها من تنظيمات وصولية، تحولت بقدرة قادر، بين عشية وضحاها، من فتنة الحاكمية إلى التدلُّه بقيم الديمقراطية، التي كانت تعتبرها حتى الأمس القريب "جاهلية" و"شركية"، إلى آخر ما هنالك من مواقف وأدبيات موثقة ومعروفة. وكفر "الإخوان" بالديمقراطية ليس موقفاً جديداً ولا فريداً، لأنه يتأسس على كفرهم وتنكرهم لفكرة الدولة الوطنية، وسعيهم الحثيث لتقويضها، لأنهم ككل جماعات الإسلام السياسي يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، الأزلية الأبدية، والحلول الكافية الشافية لجميع مشكلات العالم، وغير ذلك من أوهام يقظة، يتخبطون في سراباتها، ويبيعونها للسذج والمغفلين والقاصرين والقاصرات. ولولا طابع "الإخوان" المخادع التآمري، الأصيل في فكرهم وممارساتهم، وسعيهم المعاند لفرض أجندتهم على الدول والشعوب، ولولا انتماءاتهم العابرة للولاءات والقارات، لما كانت عندنا معهم مشكلة، فالمجال مفتوح على مصراعيه لكل من يسعى لخدمة الشأن العام، وكل من يريد حقاً وصدقاً التعبير بالقول والفعل عن الولاء والانتماء إلى هذا الوطن والشعب، وأهلاً ومرحباً بكل من ينشط بالعمل في أي مجال في حدود ما يسمح به القانون والشرع، وتحت سقف أهداف المصالح العليا، والثوابت الوطنية السامية. ولكن لا، فالمشكلة كانت وستبقى عند "الإخوان" مع أنفسهم، أولاً وأخيراً، ومع الشرعية والعمل في حدود ما يسمح به القانون والشرع. ولأن حبل الكذب قصير، كما يقال، فقد رأينا دولاً عربية عديدة اكتوت بأوهام دجل وفشل جماعات الإسلام السياسي وقد بدأ الشارع فيها الآن يطرح الأسئلة، ويستشعر خطورة زيف المرحلة، بعدما صدق بالأمس القريب أن حاصل جمع الفشل والدجل يمكن أن ينتج نجاحاً، وأن الحركات الشمولية الأصولية يمكن أن تكون رسل إصلاح وديمقراطية! وقد ثبت اليوم أيضاً، وللمرة الألف، أن عمر الدجل ساعة، وأن عمر الصدق والعمل الجاد إلى قيام الساعة. ولأن الحر العاقل لا يلدغ من جحر مرتين، ولكون العاقل هو من يتعظ بنفسه قبل أن يتعظ بغيره، فإن من الواجب على الحكومات في دول الخليج اليوم أن تقف وقفة رجل واحد، بكل حزم وصلابة، في وجه هذا الخطر والمخطط السياسي الذي يستهدفنا ويتهدد أوطاننا جميعاً، وأن تعمل معاً لإفشال مؤامرات تنظيم "الإخوان" بيت الداء وأصل البلاء، ومكائده المبيتة ضد بلداننا وأمن واستقرار منطقتنا. وفي مواجهة هذا التحدي لا مجال طبعاً للميوعة، والتغافل والتجاهل، بل لابد أن تكون الاستجابة في حجم الخطر وعلى قدر جسامة التحدي. ويستحق إفشال مكائد "الإخوان" أن يكون أجندة عمل خليجي مشترك، فسلامة وحماية الأوطان هي الثابت، أولاً وأخيراً، وكل ما عداها متغير وعابر.