تكون الدول في أمس الحاجة إلى إعلامها في حالتين تحديداً: عند بدء التأسيس ومشروع البناء والتنمية بالنسبة للدولة الناشئة، وفي حالة الأزمات والكوارث. هنا تكتشف مدى قوة إعلامها وأهميته. ماذا عن حالة الإمارات التي تعد من الدول الحديثة في تراتبية التخلص من الاستعمار وتأسيس الدولة وقيام الاتحاد؟ لقد أثبت إعلامها (التنموي) في بداية تأسيسها نجاحه في إبراز قيمة الاتحاد وضرورته وأهمية التآزر في عملية بناء الوطن الواحد الذي يجمعنا، وسعى إلى التعريف بالدولة ومشاريعها وبرامجها للمرحلة المقبلة. ذلك الإعلام ساهم في نهضة الإمارات وتقوية نسيجها الداخلي من خلال ترسيخ كيان دولة الاتحاد في المجتمع. ماذا عن الشق الآخر، وهو وجود الإعلام وقوته في حالة الأزمات والكوارث؟ نتحدث عن أزمة مثل التي تعيشها أغلب الدول العربية اليوم، ودولة الإمارات منها ولو بصورة أقل ضرراً، وهي أزمة استقواء تيار "الإخوان المسلمين" الذي كشفت الأحداث عن وجه مستتر بغيض هدّام له تحت قناع من الشعارات المغلفة بالتقوى والتبشير بمستقبل ديمقراطي إسلامي تنعم فيه المجتمعات بالأمن والخير والسلام، ذلك القناع الواهم الذي عاش عليه وتغلغل وكبر وسط مجتمعات عديدة. فإشكالية الإمارات ليست مع مجموعة تنتمي إلى هذا التيار تم القبض عليها لارتباطها بأعمال وشبكات خارجية، كما أوضحت الحكومة في بيان سابق لها، وحجم المؤامرة التي كانت تحاك كما جاء في اعترافاتهم التي نشرتها الصحف، وإنما مع فكر تيار متطرف تغذيه جماعات ويهدد مستقبل أمة بأكملها. كيف كان تعامل الإعلام مع هذه الأزمة؟ هل كان مبادراً أم كان مجرد ردة فعل وناقل للخبر؟ هل ساهم في صناعة الرأي ومارس دوراً تنويرياً في المجتمع؟ هل استخدم جميع الفنون الصحفية في توصيل رسالته؟ هل كانت عنده منهجية في التعامل مع هذه الأزمة؟ ما مدى التجاوب معه؟ هل حقق نتائج سريعة؟ وهل يملك رؤية للتعامل مع مثل هذه الأزمات مستقبلاً؟ كليات الإعلام عندنا، ونحن البلد الذي يصنع الإعلام ويصدّره، يفترض أنها بدأت دراسات تحليلية وأبحاث ميدانية للتعرف على كيفية تعامل إعلامنا مع هذه الأزمة، لكن من متابعة سريعة ليوميات هذه التغطيات يمكن أن نلاحظ التالي: أن الصحافة كانت الأفضل في اهتمامها بالمتابعة ومحاولة صناعة الوعي العام، وكشف مخططات هذا التيار، وتهديده لسلامة المجتمع، فجريدة "الاتحاد" كانت سبّاقة في فتح ملفات هذا التيار وخطره على المجتمع من خلال مقالات أغلب كتّابها، وكذلك الافتتاحيات التي كتبتها الجريدة أو التحقيقات الصحفية والدراسات الفكرية التي نشرتها .". أيضاً الكتّاب المواطنون في الصحف المحلية اليومية نشروا العديد من المقالات والافتتاحيات في فترات مختلفة، وكذلك بعض المقالات والمتابعات في الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية. لكن مفهوم إعلام الإمارات لا يقتصر فقط على الصحافة الورقية، فماذا عن الفضائيات والإذاعات والمواقع الإلكترونية؟ وأين دور المجلات والدوريات، وصناعة الكتاب والنشر في ذلك؟ يبدو أن هذه الأزمة كشفت عن قصور في أداء إعلامنا، فغاب عنه كسياسة وكتوجه، مفهوم إستراتيجية "إعلام الأزمات"، فكان في حالات متأخراً عن الحدث، أو ردة فعله بطيئة مقارنة بالإيقاع الزمني السريع للأحداث ومستجداتها، وكان متردداً في تقدير حجم الأزمة، لا يعرف المدى المسموح له بالنشر حولها، وذلك بحكم كونها قضية طارئة لم يتعود على مثلها ليطبق عليها معادلة القياس، فهل يتعامل معها بهدوء أم أنه يمارس دوره ويكشف عن جوانبها ويكون أكثر جرأة في الطرح والتحليل؟ وإلى ذلك، ثمة المشكلة "الأزلية" التي تعاني منها معظم أجهزة إعلامنا، وهي غياب الإعلامي المواطن في هذه المؤسسات، والمقصود هو الدور الميداني الذي يمكن أن يمارسه من خلال تواجده في هذه الوسائل. كذلك "فهم" معنى الكتابة الصحفية عند بعض من يمارسونها في صحفنا ومجلاتنا، فبعضهم وخاصة المستكتبين من الخارج، هم في عالم والأحداث في عالم آخر، لا يرتبطون بقضايا المجتمع الذي من المفترض أنهم يكتبون في صحافته، بل لا ينشغلون بتطورات الحدث ومستجدات الساحة وهي أبسط متطلبات الكاتب المعاصر. الإشكالية الأخرى عند بعض هؤلاء الكتّاب هي مفهومه للكتابة، فبعضهم يفسر أن كونه متخصصاً في الكتابة الأدبية أو ينشر زاوية اجتماعية، فإن هذا الموضوع بعيد عن مجاله الكتابي. رغم أن حديث الأزمة هذا يعني مختلف الشرائح ويمسها، وقد يكتب فيه الأديب أكثر من المحلل السياسي أو رجل الدين. وما دمنا نتحدث عن رجال الدين، فعندنا عشرات العلماء والكثير من وسائل الإعلام المرتبطة بالمؤسسات الإسلامية، لكن لم نسمع منها سوى الإشارات الدلالية دون الإفصاح والحديث المباشر، اللهم إلا عدد من المشايخ لا يتجاوزون أصابع الكف الواحدة يقومون بالدور التوعوي الواضح في الإعلام الجديد؟ صحيح أنه ليس مطلوباً التهييج، بل أن يتجه الحديث للكشف عن تيار الإسلام السياسي وممارساته وأهدافه والتضليل الذي يقوم به وبراءة العقيدة الصحيحة من كثير من مفاهيمه وغاياته، فذلك هو الحديث الرئيسي لهؤلاء الأئمة والمشايخ، مما يؤكد ضرورة أن يكون عندنا جمع من هؤلاء العلماء يستطيعون التحدث والمجادلة مثلما يفعل فريقهم. الإذاعات المفترض أن تكون هي الأسرع والأقرب للجمهور نجدها هنا بعيدة عن الدور المفترض أن تقوم به بحكم أنها تصل لكل الناس وفي كل الأوقات، فلولا برنامج البث المباشر من إذاعة الشارقة، وتحديداً أحاديث صاحب السمو حاكم الإمارة عن هذا التيار وممارسات أهله، وكذلك برنامج "بوراشد" في إذاعة عجمان، لقلنا إنها تغرد في مجتمع آخر غير دولة الإمارات، كذلك عندنا عشرات الفضائيات لكنها لا تحمل من هوية المكان سوى الشعار واسم الإمارة، ونشرة الأخبار الرسمية، وهذه مشكلة مزمنة نعرفها جميعاً وقد عجزنا أن نجد لها حلاً! بينما قناة واحدة ممولة من هذا التيار تفتح أبوابها للهجوم على هذا الوطن والافتراء عليه ولا نستطيع أن نرد عليها بالمثل من خلال فضائياتنا التي من المفترض أن تكون هي الأقوى تقنياً والأكثر انتشاراً. أما الإعلام الاجتماعي وتحديداً بعض الإعلاميين الجدد الذين ظهروا أو قدموا أنفسهم من خلال فضاء "تويتر"، فإنهم لعبوا أدواراً مهمةً في متابعة فريق تيار "الإخوان" والرد عليهم، وكشف الكثير من المغالطات التي يحاولون ترويجها في هذا الفضاء المفتوح. وهؤلاء أحد مكاسب التعامل بحزم وفضح ممارسات ذلك التيار. إعلامنا، وتحديداً التلفزيوني والإذاعي منه، سيتطور وسيكون على قدر المسؤولية الوطنية، وسيؤدي دوره بمهنية متى ما انتبهنا له وحددنا ماذا نريد منه، وأعدنا النظر في تركيبته، وحددنا ماذا يمثل لنا، وأين الوطن وتطلعاته والمجتمع وقضاياه والنجاحات التي تحققت... في أجندة برامجه اليومية!