يقول أرسطو: "العدل قوام العالم"، وهو أساس الملك، أي أساس القوانين، فبدون العدل لا تعني القوانين شيئاً، وتطبيقها بعدالة يشيع المساواة في المجتمعات المتحضرة والمتعايشة، وغياب العدالة والمساواة في تطبيق القوانين يفتح باباً للفوضى والخروج على القانون لمحاولة رفع الظلم ونيل الحق أو بعضه. مضى على الأسترالي جوليان أسانج أربعة أشهر تقريباً وهو قابع في سفارة الإكوادور بلندن خوفاً من قرار ترحيله القضائي البريطاني إلى السويد لمحاكمته بتهم الاعتداء الجنسي هناك، الإكوادور منحته حق اللجوء السياسي ولكنه حبيس مبنى السفارة المحصنة دبلوماسياً، أي أنه عرضة للاعتقال لو خطى خطوة واحدة خارج مبنى السفارة. بدفاعه عن نفسه، يقول أسانج إنه يخاف من ألا يلقى محاكمة عادلة بالسويد! بل قد تقوم السويد بترحيله للولايات المتحدة الأميركية المطلوب لديها بتهمة اختراق مواقع عنكبوتية وتسريب أسرار أضرت بالأمن القومي الأميركي! وقد يكون أسانج محظوظاً أكثر من أبي حمزة المصري، فأبو حمزة لا يريد أن يغادر السجون البريطانية ويفضل أن يحاكم بمحاكمها على أية تهمة يشاؤون شريطة ألا يتم ترحيله لبلده الأصلي العربي المسلم مصر، أو لأميركا التي اختل فيها نظام الإجراءات القضائية بعار جوانتانامو وقانون "الوطني" الذي سن بعد هجمات سبتمبر بساعات. أبو حمزة جاء إلى بريطانيا في تسعينيات القرن الماضي كطالب هندسة لم يكمل دراسته واشتغل حارساً بملهى ليلي تزوج من خلاله بإنجليزية ضمنت له الإقامة والجنسية البريطانية، ثم تحول إلى داعية و"مجاهد" فقد إحدى عينيه ويديه بلغم بأفغانستان، وعاد متشدداً يجوب شوارع بريطانيا ويدعو لفرض الشريعة الإسلامية فيها. احتضنه الإعلام المعادي للعرب والمسلمين، وحاول أن يكرس به صورتهم: ضخم الجسم، كث الشعر واللحية، بعين واحدة وبيدين من حديد وخطافات حديدية بدلاً من أصابعه التي فقدها في لغم أفغانستان، ملابس غريبة ودعوات استفزازية أغرب بتحويل بريطانيا إلى دولة إسلامية وإعلان الجهاد على الكفار فيها! رافقه في تلك الحقبة أردني يدعى أبو قتادة، وإن كان شكله أكثر قبولاً بدنياً، إلا أنه لم يقلّ عنه تطرفاً في خطابه، قاوم أبو قتادة ولا يزال يقاوم عبر القنوات القضائية البريطانية أمر ترحيله لبلده الأصلي العربي المسلم بحجة أنه لن يلقى محاكمة عادلة وبأنه سيتعرض للتعذيب والمعاملة القاسية غير الإنسانية. يناضل أبو حمزة المصري وأبو قتادة الأردني للبقاء تحت رحمة قضاء البلد الذي دعيا لتغيير قوانينه وفق تصوراتهما للشريعة الإسلامية! يكافحان بحثاً عن العدالة... "العدالة" القضائية البريطانية برّأت نجم نادي تشيلسي بطل أوروبا الحالي وكابتن المنتخب الإنجليزي السابق جون تيري من تهمة السب العنصري للاعب ناد منافس للونه الأسود، خصمه أنتون فيردناند -لاعب كوينز بارك رينجرز- رأى قرار المحكمة ظلماً، ولم يتنازل عن مقاضاته أمام الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم الذي أدان تيري بإيقافه أربع مباريات وتغريمه 220 ألف جنيه إسترليني هي معاشه في عشرة أيام حيث يتقاضي مائة وخمسين ألف جنيه أسبوعياً، ويرى مشجعو تشيلسي أن في ذلك ظلماً للاعب تيري الذي برّأه القضاء "العادل"، فلماذا أدانه الاتحاد الإنجليزي "المتحيز والظالم"؟ بدورهم، رأى مشجعو نادي ليفربول عدم مساواة بالعقوبة وظلماً من قبل الاتحاد الإنجليزي لأن هدافهم سواريز أوقف ثماني مباريات وليس أربعاً في إدانة مشابهة بألفاظ عنصرية ضد لاعب مانشستر يونايتد وزعموا أن تشديد العقوبة على لاعبهم مصدره انحياز الاتحاد لمانشستر ومجاملة لمدربه الشهير السير أليكس فيرجسون! حكم القضاء عدالة إن جاء لصالحك، وهو ظلم وبهتان لو جاء ضدك، هكذا طبيعة البشر، لكن "العدل قوام العالم"، فاعدلوا لأن ذلك "أقرب للتقوى"!