يوم أمس الاثنين الموافق العاشر من سبتمبر الجاري،انتهت مرحلة الاعتماد على الغير في كوسوفو. ففي هذا اليوم أنهي المجتمع الدولي رسمياً إشرافه على بلدنا، ويحول المسؤولية الكاملة عن محاكمنا، ودستورنا، وبرلماننا- وكل شيء آخر من الأشياء التي كان يشرف عليها-إلى شعب كوسوفو وقادته المنتخبين وهو ما يمثل علامة طريق بارزة في مسار رحلة تحولنا لأحدث أمة في أوروبا … أمة ديمقراطية متعددة الأعراق، قائمة على نظام السوق الحرة. إن كوسوفو التي بزغت بعد تفكك يوغسلافيا السابقة، والحروب، والمذابح، والصراعات العرقية، التي تواصلت لفترة طويلة عقب ذلك، قد قطعت طريقاً شديدة الوعورة نحو الاستقلال. وكوسوفو، في الآن ذاته، هي مشروع ما كان له أن ينجح من دون جهود حفظ السلام للولايات المتحدة و"الناتو"، والتي تم في إطارها نشر عشرات الآلاف من القوات على أرضها، إلى أن تمكنت من تحقيق النجاح الذي كانت تصبو إليه. وهذا النجاح لا يقتصر عليها، وإنما هو نجاح لكم جميعاً في نفس الوقت. والسؤال المتعلق بما إذا كانت كوسوفو التي يقل عدد سكانها عن مليوني نسمة، ينتمون لأعراق، وأديان متعددة، وتصل نسبة من تقل أعمارهم عن 35 سنة ضمن هذه العدد إلى 75 في المئة، سوف تواصل تقدمها التاريخي لهو سؤال يجب أن يشغل بال الجميع في مناطق تتجاوز كثيراً منطقة غرب البلقان. وإذا لم تتمكن كوسوفو- التي تمثل حتى الآن قصة نجاح لا ريب فيها للقيم الديمقراطية- من التقدم بثقة واقتدار نحو مستقبلها الأوروبي، فإن هذه الأمة الواعدة الناشئة، والكثير غيرها من الأمم المشابهة، قد تجد نفسها في نهاية المطاف معرضة لإغراءات التعثر، والتراجع مجدداً لذهنيات الماضي. ومن المؤكد أن إغلاق"المكتب المدني الدولي" المنبثق عن "مجموعة التوجيه الدولية" المكونة من 25 دولة، التي شُكلت من أجل أن تكون مرشداً ودليلاً لكوسوفو خلال السنوات الأولى من استقلالها، والتي تنهي الآن إشرافها على حكومتنا، الذي استمر لما يزيد عن أربعة أعوام، يمثل اعترافاً بأن بلدنا قد تطور إلى دولة ديمقراطية ناضجة، ومستقلة، قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، دونما حاجة لإشراف خارجي. ليس هذا فحسب بل، أن"مجموعة التوجيه الدولية" قد وافقت في واقع الأمر على إغلاق" المكتب المدني الدولي"، والمضي قدماً في خطوات تحقيق استقلال كوسوفو، بعد أن وافق برلماننا على إجراء تعديلات على دستور بلدنا تهدف لحماية الديمقراطية والتنوع، بما في ذلك الموافقة على قوانين لتعزيز الاستقلال الذاتي الثقافي، والحرية الدينية، وحقوق المجتمعات، ولامركزية الحكومة. الآن، وبعد أن انتقلت السلطة من المشرفين الدوليين إلى الشعب الكوسوفي، تواجه حكومتنا طائفة من التحديات سواء في الوطن أو في الخارج. وفي إطار محاولتنا لإعادة بناء اقتصادنا، ومعالجة مشكلة البطالة التي نواجهها وسط ركود يشمل العالم بأسره، وعقب موجة من الصراعات الإقليمية، فإننا نسعى بدأب وإصرار لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، واجتذاب الشركات العاملة في مجال الزراعة، والتعدين، والتصنيع، والسياحة والطاقة النظيفة، وغيرها من المجالات للعمل في بلدنا. ومن أجل المحافظة على التزامنا بالتنوع واللامركزية، أسسنا "مكتب شمال ميتروفيتسا الإداري" لتقديم الخدمات المطلوبة لمواطني تلك المنطقة ذات الأغلبية الصربية. وفي هذا السياق تحاول "مفوضية اللغة" و"مبادرة التعامل مع الماضي"، مساعدة كل مواطن، بصرف النظر عن دينه، أو أصله العرقي، للعثور على مكان في مجتمع، ودولة مشتركة، ومواجهة المستقبل بكل ثقة. بنفس الروح، نبذل قصارى جهدنا في إصلاح شأن علاقتنا مع صربيا ، والاعتراف بأن السلام والعلاقات الطيبة مع جارنا أمران ضروريان ليس فقط من أجل تحقيق الاستقرار في منطقة البلقان، وإنما لأمتينا معاً، ولمسألة قبولهما في المجتمع الأوروبي. والشعب الكوسوفي يدرك جيداً أن الاستقلال الكامل يعني المسؤولية الكاملة في الآن ذاته. وهذا هو السبب في أننا نبذل كل ما لدينا من جهد من أجل تعزيز الديمقراطية، وتحرير الاقتصاد، والمصالحة الإثنية. إن تقدمنا في هذه الشؤون جميعاً يجب أن يكافأ من خلال السماح لنا بالمشاركة الكاملة في المنظمات الإقليمية الملائمة بما في ذلك الاندماج في منظومتي الاتحاد الأوروبي، و"الناتو". إن ضمان مكان لكوسوفو في الأسرة الأوروبية لهو شيء مستحق تماماً. فكوسوفو أجرت انتخابات برلمانية شاركت فيها أحزاب متعددة، وتسعى جاهدة في الوقت الراهن إلى وضع أسس اقتصاد يقوم على نظام السوق الحرة والضرائب المنخفضة، والنظام المصرفي المتين، وقواعد الحماية للمستثمرين، والتشريعات المتماشية مع مثيلتها في الاتحاد الأوروبي. لقد اعتمدنا "اليورو" كعملة رسمية لنا، وقمنا بترجمة قوانينا للغة الإنجليزية وجعلها متاحة لمن يطلبها لمساعدة المستثمرين الأجانب على فهم منظومتنا القانونية. المطروح للرهان في هذا الشأن ليس فقط مؤسسات كوسوفو، وإنما أيضاً القيم الديمقراطية والفكرة الأوروبية. ولا أملك في هذا السياق سوى القول إن الولايات المتحدة وحلفاءها في "الناتو" يجب أن يكونوا فخورين بحقيقة إنهم من خلال تدخلهم في كوسوفو، قد ساعدوا على الحيلولة دون التطهير العرقي وتعزيز الديمقراطية المتعددة العرقيات في هذا البلد. والآن، يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي أن يوضحوا لشعوب البلقان أن الطريق الذي نسير عليه – نحو بروكسل والوحدة الأوروبية- هو الطريق الصحيح للوصول إلى التقدم والرخاء اللذين نصبوا لهما جميعاً. منذ عقدين من الزمن على وجه التقريب، شكلت حرب كوسوفو عاملاً مساعداً على التحول الديمقراطي والتكامل الأوروبي. وفي هذه اللحظة المحورية من الزمن التي نمر بها الآن، نجد أنفسنا مستعدين تماماً لمواجهة كافة التحديات والاستمرار في رحلتنا التاريخية. هاشم تاشي رئيس وزراء كوسوفو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي إنترناشيونال"