يرفع بعض أتباع تنظيم "الإخوان" السري الصوت عن المشاركة وتوسيع هوامشها والديمقراطية وتسريعها، وسوى ذلك من أقوال مرسلة يملأون بها شبكتهم العنكبوتية، وبياناتهم المدسوسة المستمدة، معنى ومبنى، من إملاءات أجنبية وولاءات خارجية! والحال أن هذه دعاوى حق يراد بها باطل. فالحق أن المشاركة قائمة، وماضية في مسارها على قدم وساق، والإمارات تسير بخطوات واثقة على خطى ومسارات التمكين. والباطل أن يكون "الإخوان" معنيين أصلاً بتطلعات المشاركة والديمقراطية، وهم تنظيم لئن كان سرياً في أجندته وأهدافه فإن أدبياته معروفة للقاصي والداني، ولم يعرف عنه يوماً تعلُّق بهذه ولا بتلك. بل إن أدبيات "الإخوان" المحنطة، المتخبطة إيديولوجياً في أوحال فتنة "الحاكمية"، لطالما وصفت الديمقراطية بالجاهلية، و"الشركية"، وقالت عنها ما لم يقل مالك في الخمر. وكذلك المشاركة بكل معانيها لا وجود لها أيضاً في أدبياتهم ولا في ممارساتهم، لأن الولاء والانتماء عند "الإخوان" للجماعة والمرشد فقط لا غير، ولا مكان فيهما للوطن والشعب. ولم يعرف عن "الإخوان" من تقاليد المشاركة داخل تنظيمهم سوى "بيعة المقابر" الشهيرة! التي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنهم حركة شمولية بكل المقاييس. وهذا ليس حكماً مجانياً عليهم وإنما تتوافر أدلته موثقة في كتبهم المنشورة ومواقفهم المشهورة. وإذا كان يحلو لبعض أتباع هذا التنظيم مغالطة الناس الآن، باللف والدوران، وإقحام شعبان في رمضان، فعليهم -على الأقل- ألا يغالطوا أنفسهم، وهم يهرفون بما لا يعرفون، ممثلين دور داعية الإصلاح الكاذب، وناشط المشاركة والديمقراطية الموهوم! ثم أي "إصلاح"؟ أليست هذه كلمة منحازة تحمل في حد ذاتها حكماً مسبقاً بأن الواقع معوج ويحتاج إلى إصلاح؟! و"إصلاح" ممن؟ ممن هم أحوج قبل أيٍّ كان إلى إصلاح وتأهيل! وأي تغيير؟ وإلى أين؟ إن التغيير الجاد المتجه لا يكون إلا إلى الأفضل. والواقع اليوم يقول ودون أية مبالغة إن الإمارات هي الأفضل عربياً في مؤشرات السلام الاجتماعي والاستقرار ومستوى المعيشة ودخل الفرد وكافة مؤشرات التنمية البشرية الأخرى، ونحن الأفضل -والحمد لله- من حيث واقع الأمن والأمان وسيادة القانون، وفي كافة دعائم دولة الحق والعدل. والتقارير الدولية المحايدة متوافرة بهذا الصدد، وتردُّ فيها لغة الأرقام الموثقة على ثرثرة الأحكام المسبقة. وما دمنا في المقدمة، فأي نموذج أو واقع عربي آخر يريد لنا "الإخوان" استنساخه، أو بالأحرى استمساخه؟! ثم إن من أبجديات الثقافة السياسية أيضاً أن المشاركة بحكم أهميتها البالغة بالنسبة للوطن والشعب يجب أن تتخذ جميع خطواتها، وتجتاز كافة مراحلها، بحذر شديد، وبخطوات مدروسة، لأن الرجوع إلى الخلف فيها غير ممكن، ولا مجال فيها لترف المحاولة والخطأ. وقد قطعت الإمارات فيها أشواطاً معروفة، تتحدث عنها التشريعات والممارسات، ومخرجات صناديق الاقتراع، وبقية الخطوات في الطريق، آتية لا ريب فيها. ولذا فإن السؤال اليوم: لماذا التسرع، والمجازفة بحرق المراحل، والتعلق بدعاوى التغيير؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟! مرة أخرى، لنكن صرحاء قليلاً. من المتعارف عليه أن مطالب التغيير تكون واردة عندما يكون المجتمع في حالة عدم رضا عن أحواله، أو يكون ثمة نموذج إرشادي جذاب للتغيير يراد النسج على منواله، كحال مجتمع آخر؟ فلنلتفت من حولنا لنرى تجارب جوارنا الإقليمي، لمعرفة الناجح منها والفاشل. ومع كل الاحترام للشعوب العربية الشقيقة التي طالبت بالتغيير، واجترحت ما اجترحت على طريقه، فإننا لم نجد حتى الآن فيما حققت شيئاً يدعو إلى الإلهام أو الاستلهام، فقد تراجعت مكتسبات التنمية، وفُقد الأمن والأمان، وتعطلت دورة حياة الناس، وأتى المخاض المرير على الأخضر واليابس، وما زال الحراك في معظم تلك البلدان مترنحاً من غير بوصلة أو اتجاه أو نهاية معروفة في آخر النفق، أو حتى في الأفق. ومع هذا فذلك قرارهم وخيارهم في بلادهم وهم أحرار فيه، ونحن نرتضي لهم ما ارتضوه لأنفسهم وأوطانهم. ولكننا نحن أيضاً أحرار في قرارنا وخيارنا، ونعرف جيداً كيف نحافظ على بلادنا واستقرارها ومكاسبها الوطنية والتنموية. وطبعاً في مقدمة هذه المكاسب الحق في المشاركة، وهو حق ثابت لا يمنع ولا يدفع، ولكن الإمارات قررت السير فيه بخطوات مدروسة، وتدابير ملموسة، بالأفعال قبل الأقوال، مستفيدة في كل ذلك من عامل التراكم الزمني، ومن النظر إلى تجارب الآخرين الناجحة والفاشلة، بعيداً عن أية مجازفات غير محسوبة، أو ارتباك أو حراك ذي مضاعفات عكسية، وقبل كل شيء بعيداً عن أية إملاءات خارجية. وعلى ذكر الإملاءات الخارجية، من بداهة القول إن الارتباط بالخارج، كائناً ما كان، مرفوض جملة وتفصيلاً. وفي هذا المقام علينا أن نمتلك أيضاً الشجاعة الأدبية لتسمية الأشياء بمسمياتها، لنقول صراحة وبالفم الملآن إن أي تواطؤ أو تمالؤ مع الخارج هو أحد صور الخيانة والغدر بالوطن، سواء أكان هذا الخارج في صورة دولة تنشط تحت دعاوى الدفاع عن حقوق الإنسان المزعومة، أم كان تنظيمات سياسية مناوئة، أو غير شرعية، حسب قوانين الدولة وتشريعاتها، تحاول التدخل لتسريب -أو تهريب- أجندات خارجية، وتحاول من خلال أحصنة طروادتها المندسين ابتزاز الدولة، أو الاستحواذ على مقدراتها. وسواء أيضاً كان هذا الخارج بيعة لمنظمات خارجية مشبوهة، وذات إيديولوجيات مرفوضة أصلاً وفصلاً، ومن الألف إلى الياء. إن الأمور ينبغي أن توضع في نصابها السليم، دون تهويل أو تهوين. ونحن لا نزعم أننا مجتمع ملائكة، ولا نخلو من مشكلات وإشكاليات، تستحق النقاش بصوت عالٍ ومطالِبَ وطموح نحو الأفضل. إلا أن هذا كله يجب أن يتم تحت سقف الوطن، وضمن مصالحه وأهدافه، وفي سياق من التناغم والتفاهم وروح الإجماع على الثوابت الوطنية، ولا مكان في كل هذا، طبعاً، لأية تدخلات أو ضغوط، أو محاولات إملاء من الخارج. وعودةً إلى أولئك النفر الموهومين الذين تلفعوا من غير صدق بديباجات وعناوين كبرى إنسانية، على غير مقاس، بهدف تمرير ما في جعبتهم من الأجندات النائمة والتلبيس والالتباس. فمسألة أولئك الأفراد عادية أيضاً لو تركتها ماكينة دعاية "الإخوان" في سياقها المعهود، وسارت القضية في سياقها الطبيعي حيث يتعامل القضاء وجهات إنفاذ القانون مع تلك الحالات، ليأخذ القانون مجراه، ويأخذ كل ذي حق حقه، في محاكمات مستوفية الشروط والأركان بمقتضى الحق والعدل. ولكن "الإخوان" لا يريدون حقاً ولا عدلاً، حيث انخرطت ماكينة دعايتهم الاخطبوطية في حملة ماكرة منسقة للفت الانتباه عن حقيقة الأمر، ولإخراجه من حدوده، مطلقين دعايات رخيصة من التجني، وحملات مسعورة من التشويه والتمويه على أمل إغراق الحقائق والوقائع في خضم من القيل والقال. وقد جاء الطابع المنسق لحملة الدعاية المتجنية ضد الإمارات الوطن والشعب، من قبل رموز "الإخوان" في كل مكان، دليلاً قاطعاً لا يرقى إليه الشك، على أن للأفراد الموقوفين داعمين في الخارج، وموجهين يحركونهم من وراء الستار! وبدل المناصحة وإسداء التوجيه والإرشاد للأفراد المضللين، أخذت "الإخوان" العزة بالإثم وأظهروا، مرة أخرى، أنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه، مهما كان بيّناً. ولكن الله سلم. فتلاحُم شعب الإمارات حول قيادتنا الرشيدة، وتعلقه بأهدافنا الوطنية السديدة، جعل هذا الوطن أرضاً غير صالحة لزرع الفتن، وحبك الدسائس، والعمل السري الهدام، فهذه أرض تنفي الخبث، ولا مكان فيها لأجندة أي خائن أو متآمر، على مصالح الوطن ووحدة لحمته. وأمثال هؤلاء ليسوا في الواقع هم أول الموهومين، ولا هم أول نشطاء حرق المراحل المزعومين! فذاكرتنا الخليجية قد سجلت من قبل ظهور نظراء لهذا النوع! وليس عنا ببعيد أمثالهم الذين صدَّعوا رؤوسنا في السبعينيات بعنتريات الثورجية، والتقدمية، والقومية، واليسارية... الخ، ولكن انتهى الأمر بأن اكتشفوا في النهاية خطأهم وخطلهم، وندموا على ما فرّطوا في جنب أوطانهم. ولكن، متى؟ بعدما تكشف لهم أخيراً خواء ما تحت سرابات دعاية الدول التي دعمتهم، وكانت تزعم أنها تقدمية وثورية وقومية واشتراكية... إلى آخر الأغنية! وفي النهاية حصحص الحق وبان أن تقدمية تلك الدول والنظم كانت مجرد دعاية فاشلة، ودعاوى كاذبة، فانهارت نظمها، وتساقطت أوراق التوت عنها، وانكشف إفلاسها السياسي والتنموي، أمام شعوبها وأمام العالم. في حين أثمرت جهود حكامنا الصادقين مع شعوبهم تجارب تنموية فريدة في المنطقة، وإنجازات تحكي عن نفسها، وترد فيها اليوم لغة الأرقام الموثقة على الأحكام المسبقة. فأين اليوم دولنا التي كانوا يصفونها بأنها "رجعية"... وأين دولهم "التقدمية" ؟ وللأسف يبدو أن التاريخ يكرر نفسه اليوم أيضاً، بعد ثلاثة عقود كاملة، لتخرج علينا هذه المجموعات موهومة، ضالة، مضللة، بشعارات جوفاء واستقواء فج بالخارج. وأعتقد أنه مثلما اعترف سابقوهم بالخطأ فإن المطلوب اليوم من هؤلاء النفر الموهومين أيضاً هو أن يعترفوا بخطئهم ويستغفروا ربهم أولاً، ويستسمحوا هذا الشعب الكريم، ويعلنوا بعبارات واضحة صريحة ألا ولاء إلا للإمارات وقيادتها الرشيدة، ولصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة. ويسارعوا بالعودة إلى جادة الصواب، ونبذ أي ارتباط بالخارج وبكل وضوح، قولاً وعملاً، وبخطاب صدق مع النفس والوطن غير قابل للتأويل، أو التبديل أو "التدويل".