يوشك شهر رمضان الكريم على الانقضاء، وهو الشهر المبارك الذي نزل فيه القرآن الكريم، والشهر الذي تزداد فيه جرعة التدين بين المسلمين، فتكثر الصلوات والذكر والتقرب إلى الله، وتتزاحم الفضائيات والإذاعات وتمتلئ المساجد بعباد الرحمن للاستزادة في هذا الشهر. لكن مشاهد بشعة تلقي بظلالها الدامية على هذا الشهر الكريم، الذي يفترض أن يكون شهر سلام وخير ومحبة، حيث تغطي فيه أخبار سوريا على دعوات التسامح والسلام، فالاقتتال على أشده، وجرائم النظام ضد شعبه لم تعد تتسع الدفاتر لسطرها، ويجد الإنسان المسلم نفسه خجلاً أمام كل دعوات الخير في شهر الخير، وهو يشهد المأساة الإنسانية التي حولت الشعب السوري الأبي إلى متقاتلين ونازحين ومهاجرين ومهجرين، دون حول أو قوة للمسلمين البالغ عدهم حوالي مليار ونصف المليار. ويزداد المشهد ألماً وبشاعة في بورما حيث تنقل لنا الأخبار تطهيراً عرقياً بتصفية وحرق آلاف من طائفة من المسلمين المستضعفين في ذلك البلد، وسط ضعف وعجز من العالم الإسلامي والمجتمع الدولي أيضاً. المشهدان السوري والبورمي يعمقان الاحتقان الطائفي والديني، ويبسّطان تفسير الأحداث لدى المتشددين والمتطرفين لدينا، فالطائفيون بيننا يفسرون البطش البعثي الأسدي على أنه حقد علوي- شيعي، هكذا وبكل بساطة توفر علينا التبصر والتفكر، وتسهل علينا فهم المشهد، مدفوعة باصطفاف إيران التشيع-السياسي و"حزب الله" التابع لها سياسياً وتمويلاً، كما يكفي للتدليل على هذا التفسير الطائفي البسيط قصة التاريخ السحيق، أو قولٌ لرجل دين عاش في القرن العاشر، وكفى الله المؤمنين عناء التفكير. وحين تتساءل إن كان هذا المعيار ينطبق على ما فعله صدام بأهل السنة من الكرد أو العراقيين أو الكويتيين، أو ما اقترفه القذافي ضد شعبه السني في الغالب، تأتيك الإجابات السطحية: صدام والقذافي ليسا بسنة! أو أنهما لم يرتكبا من الفظائع ما يرتكبه الأسد وجيشه! فننسى أو نتناسى في حمأة الاحتقان الطائفي، والتضامن المذهبي أن "ملة القتل واحدة" وأن البطش بلا دين أو مذهب أو ضمير. ويفسر أصحاب مدرسة الصراع الديني بالعالم مذابح بورما على أنها حرب دينية وحسب، بل إن من يحاول أن يغوص في عمق الأزمة وكيفية استغلال المذاهب والدين لتبرير البطش وحشد الأتباع من أجل التمسك بالسلطة، يتعرض لهجوم كاسح من التشكيك في انتماءاته الدينية والمذهبية، بل وحتى قدراته الذهنية! على القارة الأخرى في أفريقيا، تكتسح جحافل الجهل والتخلف آثار ورموز وأضرحة دينية في شمال مالي، فتهدم ما تهدم وتدمر ما تدمر وتقتل من تقتل وتقهر من تقهر باسم تنقية العقيدة والجهاد، رافعين رايات سوداء كتبت عليها شعارات إسلامية، دون أن تنطلق بيننا إدانة رفض عارمة لهذا السلوك المجافي لأبسط مبادئ حرية العقيدة والتسامح، أو أن نستهجن ذلك الاستغلال لديننا السمح الذي نبشر به. كما تشهد نيجيريا حرباً دينية ترتكب فيها جماعة اسمها "بوكو حرام" هجمات إرهابية ضد الكنائس المسيحية باسم ديننا الذي يدعو إلى التسامح، دون أن نقرأ إدانة واحدة من مدرسة التسطيح الدينية أو إعلان براءة بأن ما يرتكب لا يمت لديننا الإسلامي بصلة. على التويتر طرحت سؤالاً: هل ترى هدم الأضرحة والرموز الدينية بمالي تطرفاً وتشدداً أو جريمة وإرهاباً أو جهاداً وتنقية لعقيدتنا أم غير ذلك. جاءت معظم الإجابات على أن ما جرى ويجري في مالي هو جهاد وتنقية للعقيدة! تساءلت بتسامح: هل ينطبق هذا الجهاد على أهرام مصر لأنها قبور وأضرحة للفراعنة المصريين أيضاً؟ الإجابة واضحة: اهدموا أهرامات مصر!...