في الوقت الذي تحاول فيه العديد من الدول حل مشكلاتها الاقتصادية، وصراعاتها العرقية، وأزماتها الحكومية، تستطيع كوسوفو، أحدث دولة في العالم، تقديم دروس في حفظ السلام وحل المشكلات. ففي الثاني من يوليو الحالي وقبل يومين فقط من احتفال الولايات المتحدة بعيد استقلالها، اجتازت كوسوفو منعطفاً تاريخياً شديد الأهمية في رحلتها من أجل تحقيق الحكم الذاتي. والاحتفال الرسمي بهذه المناسبة سيكون عبارة عن اجتماع لـ" مجموعة التوجيه الدولية" المقرر أن تتخذ قراراً بشأن إنهاء إشرافها على استقلال كوسوفو، بمجرد أن يتبنى برلمانها التعديلات الدستورية الجديدة. وسوف يعني ذلك أن السلطتين الإشرافيتين المعينتين من قبل"مجموعة التوجيه الدولية" وهما" المكتب المدني الدولي" و"ممثلها المدني الدولي" سوف يوقفان عملهما، ونقل سلطاتهما الإدارية للسلطات المختارة من قبل شعب كوسوفو، وممثليه وهم البرلمان ، والرئيس، ونائب الرئيس، وغيرهم من المسؤولين العموميين. ويقدم التاريخ الحديث القليل من الأمثلة الأكثر إلهاماً بشأن الكيفية التي يمكن بها لقيم الديمقراطية الليبرالية أن تسود من خلال التزام كامل من جانب المجتمع الدولي. فكوسوفو التي تأسست بعهد انهيار يوغوسلافيا السابقة منذ عقدين من الزمن نجحت في إنهاء الحرب، والمذابح الجماعية، والفصل العنصري، والعنف الدموي بين الجماعات المختلفة. صحيح أن كوسوفو لا تزال تكافح من أجل التغلب على تداعيات الحرب، وأن التوترات ما زالت مستمرة بين الصرب والألبان وخصوصاً في الشمال، وأن اقتصادها لا يزال أمامه طريق شاق، وأنها أفقر دولة في أوروبا وصاحبة أكبر معدل للبطالة فيها. ولكن، وعلى الرغم من تلك التحديات الجسام، فإننا نجحنا ليس فقط في بناء منازلنا، وطرقنا، وجسورنا وغير ذلك من منشآت البنية التحتية، وإنما أيضاً في بناء دولة حديثة، في نفس الوقت الذي نحاول فيه جاهدين إعادة اللحمة لنسيجنا الوطني. والآن وقد أوشكت عملية بناء الدولة على الانتهاء تقريباً، فإن كوسوفو باتت مستعدة للانطلاق للأمام كدولة مستقلة معترف بها من قبل 93 دولة بما في ذلك22 دولة من الـ27 دولة التي يتشكل منها الاتحاد الأوروبي، و24 دولة من دول "الناتو" الـ28 ، بالإضافة لـ30 دولة من الـ 57 دولة التي تتشكل منها "منظمة دول التعاون الإسلامي". تفاؤلنا يستمد قوته من حقيقة أننا لسنا فقط دولة من أحدث دول العالم، وإنما من أكثرها شباباً أيضاً حيث يقل عمر 75 في المئة من سكاننا عن 35 عاماً، وهو ما يعني أننا قادرون على تجاوز مآسي القرن العشرين لأن معظم أبناء شعبنا سيعيشون الجزء الأكبر من حياتهم في القرن الحادي والعشرين. وفي حين أن كل دولة لها طريقها الخاص الذي تمضي فيه، إلا أن كوسوفو تستطيع أن تقدم خمسة دروس من واقع تجربتها الحية: الدرس الأول: احترام حكم القانون. ففي عام 2007 قام المبعوث الخاص للأمم المتحدة "مارتي اهتيساري" بتقديم خطة تشمل مبادئ الحقوق الشخصية وحقوق المجتمع. ومن خلال العمل مع "المكتب المدني الدولي" التابع للاتحاد الأوروبي، تمكن قادة كوسوفو من جعل "قواعد اهتيساري القانونية الشاملة" جزءاً من دستورنا، وقوانيننا، وحياتنا اليومية. الدرس الثاني: مداواة جراح الحرب: من خلال التعلم من تجربة المجتمعات الأخرى مثل جنوب أفريقيا اقترحت مؤخراً إنشاء لجنة" للحقيقة والمصالحة" مهمتها القيام بفحص أعمال الطرفين خلال الحرب. وقد تم تأسيس اللجنة بالفعل في الرابع من شهر يونيو الماضي، وهدفنا من إنشائها ليس العقاب، وإنما التطهر بحيث يستطيع كل عضو في أي مجتمع عرقي أو ديني التحرك للأمام تجاه المصالحة. الدرس الثالث: توفير مقعد لكل شخص على الطاولة: نحن نحمي حقوق الصرب وغيرهم من الأقليات التي تعيش في كوسوفو، ونعمل جاهدين من أجل إدماجهم في المجتمع والدولة. وأود أن أشير في هذا المقام أن عشرين من مقاعد البرلمان البالغة 120 مقعداً محجوزة للأقليات، منها عشرة مقاعد للصرب. في الوقت نفسه نجد أن ثلاثة من صرب كوسوفو يشغلون مناصب وزارية في الحكومة، بما في ذلك منصب نائب الرئيس كما تم بالإضافة لكل ذلك تأسيس ست بلديات صربية جديدة. الدرس الرابع: تشجيع المشاريع الحرة، ذلك أن إعادة بناء الاقتصاد خلال الركود الحالي الذي يضرب العالم يمثل تحدياً شاقاً، غير أن كوسوفو -على الرغم من ذلك- تسعى جاهدة نحو إقامة اقتصاد قائم على الأسواق الحرة ويتسم بضرائب مخفضة، ونظام مصرفي سليم وإجراءات حماية للمستثمرين، وتشريعات تتماشي مع مثيلاتها في دول الاتحاد الأوروبي. الدرس الخامس: يجب أن نفهم معنى الاستقلال، ومعنى الاعتماد المتبادل بيننا وبين الآخرين . فمع الاستقلال التام سنبذل كل جهد ممكن للعمل مع جيراننا، ومع العالم بأسره، ونحن نسعى جاهدين لإقناع صربيا وروسيا بأن كوسوفو يمكن لها المساهمة في تحقيق الاستقرار في البلقان الغربي،كما نتطلع للعمل مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كأعضاء كاملين في المجتمعين الأوروبي والعالمي. منذ عقدين من الزمن تقريباً، لعب الصراع دور العامل المساعد على دمقرطة كوسوفو والتكامل مع أوروبا... والآن تستطيع كوسوفو من خلال العمل مع الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، أن تظهر نجاحاتها في مجال التحول الديمقراطي، والمصالحة، وحرية الأسواق، وحكم القانون، وهي نجاحات وإنجازات ترسم في مجملها ملامح الطريق الصحيح للدول. هاشم تاشي رئيس وزراء كوسوفو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"