مرة أخرى نكتشف أن الأنباء الطيبة لا تعيش سوى نصف حياة، وأن عمرها لا يكاد يصل لـ24 ساعة سوى بالكاد. فلم تكد الأسواق المالية تسترد أنفاسها عقب انتشار أخبار تتعلق بإنقاذ بنوك إسبانيا حتى عادت لسيرتها الأولى بعد ساعات قليلة، وعندما انتهت الانتخابات اليونانية بنتيجة لم يكن الكثيرون يتمنون ما هو أفضل منها، فإن تلك النتيجة لم تؤد إلى تحسين حالة الأسواق سوى ليوم أو بعض يوم. لم يكن هناك أدلة أفضل من ذلك على أن الاستراتيجية المالية الحالية- القائمة على التعهد بأن المنظومة الأوروبية ستتماسك، مع بذل أقل القليل من أجل معالجة كل أزمة تظهر، والتعهد عند كل مفترق طرق ببناء نظام سليم في المدى الطويل- قد استنفدت غرضها. وليس من المتوقع أن تؤدي قمة العشرين إلى تغيير أي شيء في القريب العاجل، وسوف تظل اقتصادات أوروبا إلى المزيد من التأكيد على أهمية النمو، وتخفيض معدلات الفائدة على الديون الرسمية، وتحقيق المزيد من التحويلات المالية. ومن المتوقع أن تتعاطف ألمانيا مع هدف الإصلاح المالي، ولكنها سوف تصر على أن التكامل المالي يجب أن يتماشى مع التكامل السياسي، وتؤكد على أنه ليس هناك من يقدم بطاقات الائتمان من دون أن تكون له سيطرة على استخدامها. أما بقية العالم فسوف يعبر عن سخطه إزاء فشل أوروبا في توحيد عملها، ويطالب بتحقيق المزيد في هذا الشأن. والمسؤولون الذين حباهم الله بقدرات دبلوماسية تفوق ما يتمتعون به من بصيرة سياسية، أو شجاعة سوف يقدمون- في القمة المذكورة- بياناً مشتركاً يعبر عن قدر من الرضا تجاه الخطوات التي يجري اتخاذها ويتطلع إلى استمرار الحوار حول القضايا المعلقة. والشيء الوحيد الجيد بالنسبة لهذه القمة هو أن التوقعات بشأنها منخفضة للغاية، وهو شيء ليس متوقعاً أن يؤدي لإحباط الأسواق كثيراً. الحقيقة المؤسفة هي أن المقترضين والمقرضين الأوروبيين كلاهما على حق. فالمقترضون على حق في قولهم إن التقشف وتخفيض قيمة العملة المحلية لم يمثلا أبداً استراتيجية نمو ناجحة، وخصوصاً في الحالة التي يمر بها اقتصاد الشركاء التجاريين بحالة من الركود. وهم على حق أيضاً عندما يقولون إن حتى الاقتصادات التي كانت عفية في السابق، سرعان ما ستفقد عافيتها إذا ما أجبرت على العمل لعدة سنوات بمعدلات فائدة أعلى بكثير من معدلات النمو- كما كان الحال في دول جنوب أوروبا. وتبين التجارب أن الإصلاح الهيكلي، الذي يكون صعباً على الدوام، يغدو أكثر صعوبة عندما يكون الاقتصاد في حالة انكماش، ولا يمتلك أي من قطاعاته القدرة على استيعاب من يتم استبعادهم بسبب الإصلاح. وهؤلاء الذين يبالغون في الحذر من مأسسة عملية التكامل المالي، التي تتم بمعزل عن عملية التكامل السياسي على حق أيضاً. ففي النظام الاقتصادي السليم، يجب على هؤلاء الذين توجد لديهم قابلية كبيرة للإسراف، أن يكون لهم سيطرة على قرارات الاقتراض. فالنظام الذي أقوم أنا فيه بالاستدانة، وتقوم أنت فيه بسداد الدين هو وصفة لاقتصاد إسرافي غير قابل للاستدامة. وهذا هو السبب في أن الحديث الذي يدور في طول أوروبا وعرضها عن سندات منطقة اليورو" و"التأمين على الودائع"هذه الأيام، عادة ما يتم ربطه بضرورة تحقيق درجة أعمق من التكامل السياسي. ولكن هناك مشكلتين تكمنان وراء السبب في الإشارة الخفيفة لتحقيق درجة أكبر من التكامل. المشكلة الأولى تتعلق بمن يمتلك السيطرة. والمشكلة الثانية تتعلق بحجم التحويلات المالية المتضمنة. وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أن المشكلات ليست قابلة كلها للحل، فإننا سندرك أنه ليس من المتيقن أن السداد الكامل لكافة الديون السيادية المتعاقد عليها، والنمو المستدام لجميع الدول، واحتفاظ منطقة "اليورو" بجميع أعضائها، سوف تكون في جملتها حلولا عملية. والقطاع الخاص يبين بجلاء أنه يدرك هذه الحقيقة المؤلمة، ولكن القائمين على تخطيط القطاع الرسمي يحتاجون هم أيضاً للاعتراف بها كذلك. وفي خارج أوروبا نجد أن القادة حتى وهم يخططون من أجل تحقيق الأفضل، يحتاجون أيضاً إلى أن يعدوا الخطط اللازمة لمواجهة الأسوأ. وانهيار منطقة "اليورو" سوف يكون كارثة اقتصادية يمكن أن تكون الأشد فداحة على الإطلاق في عصرنا. وهذا الاحتمال وحده يجب أن يدفع قادة قمة العشرين، على التركيز على العمل الفوري من أجل تجنب مثل تلك الكارثة. وهؤلاء الذين يعيشون خارج أوروبا عليهم أن يقنعوا الأوروبيين بأن قواعد اللعب تتغير عادة عندما ترتفع الرهانات، وأن مصداقية البنك المركزي الأوروبي سوف لن تعني الكثير عندما لا تكون هناك عملة موحدة. فاتخاذ الإجراء الصحيح كان يبدو قبل 24 ساعة من سقوط بنك ليمان براذر أهم كثيراً مما كان يمكن أن يبدو عليه بعد مرور 24 ساعة على سقوطه. واللحظة الراهنة هي المناسبة لإجراء استقطاعات جذرية في معدلات الفائدة التي يتقاضاها الدائنون الرسميون على الديون السيادية الأوروبية، وهي المناسبة لبلورة الرغبة في التقليل من أهمية الديون الرسمية، وعدم تمييز الدائنين الخصوصيين، وتقديم أفق للمحافظة المنهجية على نظام العملة الموحدة، والمناسبة كذلك لإبداء الرغبة في اتباع سياسات نقدية توسعية في أوروبا تحول دون حدوث انكماش اقتصادي، وتشجع النمو الذي يمكن أن يخلق الوظائف ويقلص الديون. فعندما تتم المحافظة على المنظومة أولاً، يمكن بعدها التفكير في مناقشة مستقبلها. لورانس سمرز وزير الخزانة في إدارة كلينتون والمستشار الاقتصادي لأوباما 2009-2008 ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"