من مناجم النحاس في تشيلي، إلى مزارع الذرة في ولاية داكوتا الشمالية، إلى حقول النفط في الشرق الأوسط، أخذت أسعار السلع تتهاوى، حيث انخفضت أسعار المعادن والطاقة والمنتجات الزراعية في وقت ازداد فيه القلق بشأن الأزمة النقدية التي تتخبط فيها أوروبا، وتباطؤ نمو الصين، وتوقف الاقتصاد الأميركي عن النمو. ففي الأسبوع الماضي، هوت العقود الآجلة للنحاس إلى أدنى مستوى لها في 2012. ويوم الاثنين الماضي، انخفض سعر القطن إلى أدنى مستوى له منذ 31 شهراً. هذا فيما سجل سعر السكر انخفاضاً هو الأكبر منذ 21 شهراً. والأسبوع الماضي أيضاً، انخفضت أنواع النفط الخام لأوبك إلى ما دون 100 دولار للبرميل، وذلك لأول مرة منذ ثمانية أشهر تقريباً. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول "بارتون سكوت"، وهو مزارع من الجيل الثالث في "كالم" بولاية داكوتا الشمالية، ويشغل منصب رئيس الجمعية الوطنية لمزارعي الذرة في أميركا: "لقد رأينا انخفاضاً في أسعار الذرة خلال الأشهر القليلة الماضية... وأعتقد أن الأمر كله مرتبط بالاقتصاد العالمي وقيمة الدولار"، مضيفاً أن "المستثمرين الخارجيين" والصناديق الاستثمارية التي كانت في وقت سابق من هذا العام من كبار المشترين، توقفوا عن هذا التوجه وشرعوا في بيع الذرة قبل شهر ونصف الشهر. غير أن الانخفاض الأخير في أسعار السلع يمكن أن يفتح مجالاً أكبر للتحفيز المالي أو النقدي دون الخوف من التسبب في التضخم. وفي هذا الإطار، يقول إدوارد مورس، رئيس بحوث السلع العالمية في مؤسسة سيتي جروب: "أعتقد أن الانكماش ينبغي أن يكون هم المسؤولين الرسميين أكثر من التضخم". ومن جانبه، يقول مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في Economy.com التابع لوكالة موديز: "إن ذلك يوفر ضوءاً أخضر لمزيد من التحفيز، ولاسيما التحفيز النقدي"، مضيفاً "مع انخفاض أسعار السلع، يصبح لدينا تضخم أقل"، مضيفاً أنه يتوقع من البنوك المركزية أن "تضغط على دواسة الوقود" وتنخرط في "التخفيف الكمي"، وهي طريقة لتخفيف معدلات الفائدة عبر شراء الأوراق المالية. وبالنسبة لمكافحي التضخم، الموضوع الرئيسي هو اتجاه الأسعار، وليس مستوى الأسعار. غير أن معظم أسعار السلع مازالت مرتفعة بالمقاييس التاريخية. فعلى الرغم من أن أسعار الذرة انخفضت بنحو 14 في المئة العام المضي، فإن "سكوت" مازال يحصل على 5?25 دولار لـ"البوشل"، وهو سعر مرتفع مقارنة مع الأسعار التي كانت سائدة قبل وبعد موجة ارتفاع الأسعار في 2008. وحالياً، يقوم "سكوت" بزيادة مساحة زراعة الذرة ويشرع في بناء مستودع لتخزين محصولها بقدرة استيعابية تبلغ 100 ألف شوفل. أسعار النفط انخفضت قليلاً أيضاً، علماً بأن سلة النفط الخام لأوبك لم تتجاوز أبداً سقف الـ100 دولار حتى مارس 2008، كما أن متوسط الأسعار هذا العام – 115?43 دولار للبرميل – مازال أعلى من مستوى العام الماضي. غير أنه بالنسبة للسلع التي تُقوَّم بالدولار مثل النفط، فإن تضعضع "اليورو" أدى إلى الإبقاء على الأسعار مرتفعة في أوروبا. وخلال العقد الماضي، كان المحركون الرئيسيون للزيادة الكبيرة جداً في الطلب على السلع مثل النحاس والنفط – وكلاهما مرتبط بالنشاط الاقتصادي – هم بلدان الأسواق الصاعدة. وفي هذا الإطار، تقول أمريتا سِن، محللة السلع في مؤسسة باركليز كابيتل: "إن كل النمو في الطلب على النفط تولده أربعة بلدان هي الصين والهند والسعودية والبرازيل". أما في أوروبا والولايات المتحدة، فإن الطلب على النفط راكد أو آخذ في التراجع. وفي محاضرة ألقاها في الخامس عشر من مايو الماضي على محللين ماليين واقتصاديين، قال ريتشارد سي. أتكينسون، المدير التنفيذي لشركة المعادن العملاقة "فريبورت-ماكموران"، إن النمو الاقتصادي للصين يمكن أن يتباطأ ولكنه مازال يغذي طلباً أكبر على السلع، لافتاً إلى أن الصين حققت معدل نمو بلغ 13 في المئة من 1995 إلى 2010، وأن استهلاكها للنحاس نما بـ 6 ملايين طن سنوياً، أو ما يمثل 37 في المئة من الاستهلاك العالمي، مشيراً إلى أنه إذا انخفض نمو الصين إلى 6 في المئة سنوياً، فإن استهلاك البلاد للنحاس سيزداد بـ9?2 مليون طن سنوياً بحلول 2025. وتقول سِن: "أحد الأشياء التي علينا أن نعترف بها هو أننا نعيش اليوم في عالم يتميز بارتفاع أسعار السلع"، مضيفة "هناك تغيير بنيوي يحدث حالياً لأن العديد من السلع باتت تعاني من عجز وقيود من حيث العرض". غير أنه في الوقت الراهن يمكن القول إن حتى ذلك الانخفاض في معدل النمو في الصين بات موضع شك. ففي الرابع من يونيو الجاري، أعلنت الصين أن مؤشر النشاط الصناعي في البلاد انخفض إلى 50?4 في المئة في مايو الماضي، منهياً خمسة أشهر متتالية من النمو. وفي هذا السياق، يقول زاندي: "إن الصين، إذا كانت غير مقبلة على مرحلة صعبة، فإن طريقاً مليئة بالمطبات تنتظرها"، مضيفاً أن اقتصادا البرازيل وتركيا توقفا عن النمو في حين شهدت الهند أضعف نمو في عشر سنوات. ------- ستيفن مفسون ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"