تشابك الخيوط المصرية
بعد النطق بالحكم في قضية مبارك يوم السبت الثاني من يونيو، تشابكت الخيوط السياسية في مصر وتعقدت بين مسار الشرعية الديمقراطية الدستورية من ناحية ومسار الشرعية الثورية من ناحية ثانية. قبل ذلك كان المسار الأول مسيطراً على العقول في انتظار جولة الإعادة في الانتخابات بين الدكتور مرسي والفريق شفيق. حتى يوم الجمعة كان الحوار الطاغي على الساحة المصرية متصلاً بمحاولة القوى السياسية إقناع المرشحين أو أحدهما بقبول ما عرف بوثيقة العهد التي وضعتها الأحزاب الليبرالية واليسارية التي صدرت ظهر الجمعة في مقر نقابة المحامين.
الوثيقة تتضمن عدداً من المبادئ التي تنص على مدنية الدولة وطابعها الديمقراطي وعلى التمسك بالمادة الثانية من دستور 1971 التي تقرر أن الإسلام دين الدولة وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وتشتمل على مبادئ المواطنة والمساواة واحترام الفصل بين السلطات واستقلال القضاء واحترام الحريات العامة وتكافؤ الفرص وحماية مؤسسات الدولة من محاولات الاختراق من بعض التيارات السياسية (والمقصود التيارات الدينية)، واحترام مبادئ حقوق الإنسان وحظر أحزاب على أسس دينية أو طائفية، والتزام الرئيس القادم بإعادة محاكمة المتهمين في المحاكمات العسكرية أمام محاكم مدنية، وبتحقيق العدالة الاجتماعية وبإجراءين، أولهما تشكيل حكومة ائتلاف وطني يرأسها أحد الشخصيات الوطنية يعلن اسمه قبل انتخابات الإعادة، وثانيهما أن يلتزم بالتمثيل المتوازي لكافة القوى في المواقع القيادية بكافة مؤسسات الدولة، بدءاً بالرئاسة ونزولاً للجهاز الإداري.
ومع مجيء الحكم القضائي على مبارك وأقطاب الداخلية، ثار الجمهور في الميادين احتجاجاً على تبرئة مساعدي الوزير من تهمة قتل المتظاهرين، وهنا بدأ تشابك الخيوط بين المسارين الدستوري والثوري. فقد بدأت بعض القوى الثورية، مثل "حركة كفاية"، في المناداة بإبطال الانتخابات وانسحاب الدكتور مرسي منها، وتشكيل مجلس رئاسي من الدكتور مرسي وحمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح. جاء المطلب خارج مسار الشرعية الدستورية مما حمل بعض السياسيين على رفضه وفي مقدمتهم ممثلو جماعة "الإخوان" التي يتنافس مرشحها (مرسي) في جولة الإعادة، وبدا هذا الطرح وكأنه جاء ليصب في مصلحة المرشحين الثالث والرابع اللذين خرجا من سباق الانتخابات.
إن تعقيد الخيوط دفع أحد الفاعلين الأساسيين في ثورة يناير، وهو الدكتور محمد أبو الغار رئيس "الحزب المصري الديمقراطي"، إلى تنبيه المطالبين بالمجلس الرئاسي إلى أن الفكرة تنتمي إلى المسار الثوري، فقال: "إن فكرة المجلس الرئاسي جيدة ولها قبول شعبي في الشارع المصري خاصة بين الشباب، لكن تنفيذها يستلزم ثورة جديدة وإلغاء الانتخابات الرئاسية". وفي تصوري، أن أبو الغار يقول إن قوة الاندفاع الآن هي للمسار الدستوري الديمقراطي، إلا إذا قامت ثورة جديدة.
وفي اتجاه آخر يدفع جورج اسحق منسق "حركة كفاية" السابق، نحو الاعتصام في ميدان التحرير والتصميم على تكوين المجلس الرئاسي وفتح حوار مع المجلس العسكري لإقناعه بالأمر.
وأعتقد أن الأسبوع الجديد سيشهد أحد أمرين، إما تصاعد المظاهرات والاعتصامات ومعها مطلب المجلس الرئاسي، وإما عودة السيطرة للمسار الديمقراطي الدستوري عندما تظهر استحالة فرض فكرة المجلس مع هدوء الغضب الجماهيري الناتج عن الأحكام القضائية وتركيز الناخبين في اختيار أحد المرشحين، أو إبطال الأصوات والمقاطعة إذا لم يرق للبعض أحدهما، وهو الاحتمال الذي أرجح حدوثه.