أزمة ثقة عربية
النتيجة النهائية التي يمكننا أن نخرج بها من متابعتنا للمشهد السياسي العربي في الدول التي شهدت ما يسمى بـ"الربيع العربي" أنه لا شيء تغير في الإنسان العربي رغم أن الكثير مما كان يعتبر من المسلمات تغير. قد تكون الصورة أوضح في مصر باعتبارها الدولة العربية الأكبر والأكثر تأثيراً، لكن الحال في مجمله تشترك فيه بقية الدول.
المواطن المصري اعتبر حصول محمد مرسي مرشح "الإخوان" ومعه المرشح أحمد شفيق أحد "فلول" النظام السابق -كما يطلق عليه المصريون- على أفضل نتائج في الانتخابات المصرية، "خداعاً سياسياً" واستخفافاً بعقله. وظل عامل الشك وسوء الظن يسيطران عليه حتى اللحظة. كما اعتبر المصريون أيضاً حكم المحكمة بسجن "مبارك" ووزير داخليته بالمؤبد وبراءة كل من جمال وعلاء مؤامرةً على المواطن المصري وأشبه بـ"الضحك عليه" خرج بسببها العديد من المصريين محتجين على القرار من منطلق أنه حكم غير منصف وأن الرئيس السابق كان يستحق الإعدام.
الغريب في الحالتين أن الانتخابات الرئاسية شهد الكل بنزاهتها وشهدوا كذلك بأن القضاء يتمتع باستقلاليته، بل إن المصريين أنفسهم يعتبرون أن قضاء بلادهم المؤسسة الوحيدة التي لم يعبث بها النظام السابق ومع ذلك لم يقبلوا بحكمها، لأنه جاء ضد رغبتهم.
أنا هنا لست بصدد تقييم النتائج، لأن ما نعيشه في اللحظة الراهنة أكبر من ذلك في نظري، إنها أزمة ثقة بين كل أفراد المجتمع.
وحين يدقق بعضنا في المشهد السياسي والاجتماعي العربي بعد أحداث "الربيع العربي" تأتي إلى الذهن مسألتان: الأولى أن ما يحصل في مصر يتكرر في اليمن وسوريا وتونس وغيرها من الدول العربية. الثانية أننا لا نتذكر أننا عشنا مرحلة من التاريخ العربي تعمقت فيها "أزمة الثقة" لدى المواطن العربي وأثيرت حولها الشبهات مثلما نعيشه الآن، وأعتقد أن في ذلك خطورة كبيرة على مستقبل الدول العربية.
الكل يعرف أن الشعوب العربية تحملت قبل الربيع العربي الكثير من السلوكيات والممارسات لبعض الأنظمة كانت تعتبر غاية في التجاوز الإنساني وكانت الثقة مفقودة في تلك الأنظمة. واليوم بات من الصعب عليها أن تقتنع ليس بالآليات والإجراءات التي طالبت بها من أجل تحقيق طموحاتها، بل بكل شيء. لا أحد يعرف بالضبط ما الذي يريده الشعب العربي بسبب من "سرقوا حلمه" من ثوراته، وبسبب متسلِّقي السلطة، فلم يعد الناس يقتنعون بأن القادم سيكون أفضل، خاصة من لديهم الكثير من المرارات على الأنظمة.
لن أكون مبالغاً إذا قلت إن نكسة وإحباطاً كبيرين أصابا نفوس الناس، فباتت آمالهم أوهاماً بعد أن أعادهم "الربيع العربي" إلى الوراء زمناً بعيداً، حتى أنني أزعم أننا نحتاج لسنوات كي تعود الأمور إلى وضعها الذي كان، وليس إلى ما كان مؤملاً، فقد برزت على السطح أمور يمكن التعامل معها كمؤشرات مقلقة على المستقبل. من يتابع تطورات الأحداث السياسية في الدول العربية يدرك أن التشكيك وعدم الثقة هو الذي يسيطر على الإنسان العربي، وتلك النقطة ينبغي أن نواجهها، كلٌّ في مكانه.
التطورات الجديدة شقت الصف الوطني في الكثير من البلدان العربية، وهو أمر خطير وتصدعت كثير من الملفات المحلية، وحدثت انشقاقات يمكن أن تنتقل بالوضع العربي إلى مراحل كارثية ما لم تتم إعادة روح الثقة، لأن المواطن العربي أصبح يتصرف بالشك والريبة تجاه كل شيء!