لعل أسوأ اختبار يقف أمامه الناخب المصري هو الاختيار ما بين مرشحي الرئاسة: أحمد شفيق، ومحمد مرسي. الأول هو آخر رئيس وزراء للنظام السابق في عهد حسني مبارك، والثاني مرشح "الإخوان المسلمين" الذين لا أمل في تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية في عهدهم مهما قدموا من الوعود ومهما أقسموا من أغلظ الأيمان. صحيح أن أحمد شفيق عسكري مهني لم تتلطخ سمعته في الفساد وصفقات نظام مبارك، ولم يعرف عنه الانحراف المهني ولا سوء السلوك العملي، ولكن مشكلته الأزلية تشبه إلى حد كبير مشكلة "الإخوان" والصدقية: الأول فلول والثاني "إخوان". ترتبط كلمة "إخوان" في الأوساط المدنية المصرية بكل أطيافها -الليبرالية واليسارية والاشتراكية والناصرية والقزمية وغيرها- بانعدام الصدقية، ولدى القوى المدنية المصرية قناعة راسخة بأن "الإخوان المسلمين" "يتمسكنوا حتى يتمكنوا" ثم سيقلبون ظهر المجن لكل الوعود والعهود التي يقطعونها اليوم وهم جهابذة في الانقلاب والتبرير. سيحول الإخوان -لو وصلوا- مصر إلى دولة دينية تنفرد بالسلطة وتحارب كل من يخالفها بحجة أنهم يحكمون بما أنزل الله، وبالتالي فإن معارضتهم مستقبلاً إنما هي معارضة لحكم الله، وكلنا يعرف الموقف ممن يعترض على "حكم الله". واقع الحال يقول إن الناخب المدني المصري يوم 17 من هذا الشهر أمام اختبار صعب جداً: خياران أحلاهما مر! إن انتخب شفيق، فكأنك يا بوزيد ما غزيت، وإن انتخب "الإخوان"، فقد قدم مصر ومستقبلها على مذبح الدولة الدينية، فما الحل؟ لو كنت ناخباً مدنياً مصرياً لتساءلت: أيهما يسهل خلعه لو انحرف عن مبادئ الديمقراطية والإصلاح مستقبلاً؟ أحمد شفيق رجل مرحلة أفلت وممثل تيار منهك وضعيف، وقد خلع الشعب نظامه وهو في أوج قوته بثورة 25 يناير، أي أن خلعه بعد انتخابه سيكون أسهل بكثير من خلع حسني مبارك نفسه. كان ضعف شفيق جلياً في خطابه بعد انتهاء المرحلة الأولى حين استجدى القوى السياسية المناهضة لـ"الإخوان" بالوقوف معه وهو يردد ألا عودة للماضي أبداً. لكن مجيء محمد مرسي للرئاسة يعني مجيء حزب جائع متلهف للسلطة، سيطر على البرلمان وحاول السيطرة على المؤسسة التأسيسية للدستور، ويرى في أدبياته ونهجه أن الوصول للسلطة بالديمقراطية يعني تفويضاً من الناس بالانفراد بها وسن قوانين دستورية تضمن احتكاره لها بمبرر خطير جداً وهو أنه يحكم "بما أنزل الله"، وهو مبرر لم ولن يتذرع به أحمد شفيق لو وصل للسلطة. إن مجيء محمد مرسي للرئاسة يعني حرباً أو ثورة جديدة للتخلص منه ومن حزبه لو انحرف عن مبادئ الثورة وصادر السلطة واحتكرها لحزبه وهو أمر محتوم، فالأحزاب الدينية كلها -شيعة وسنة- لا تؤمن بالديمقراطية إلا كمطية للوصول للسلطة، وهو وصول يفهمونه على أنه تفويض من الناس بحكمهم وفق منظورهم وفهمهم وترجمتهم للدين. حدث هذا الأمر في إيران بعد الثورة، فبانتخاب الحزب الجمهوري الإسلامي، صيغ الدستور لدولة دينية مذهبية صفت كل من يقف ضد حكم ولاية الفقيه، لأن ذلك معارضة لإرادة ربانية، ويحدث هذه الأيام في العراق حيث يحاول حزب الدعوة الديني إزاحة كافة الخصوم لينفرد المالكي وحيداً بالحكم. الفارق بين شفيق ومرسي، أن الأول فلول آفلة، والثاني جحافل زاحفة، شهيتها مفتوحة للإمساك بزمام الحكم من البرلمان حتى الرئاسة ثم الجمعية التأسيسية للدستور. لو كنت ناخباً مصرياً لصوت في الانتخابات القادمة لصالح شفيق على أمل أن تعزله المحكمة الدستورية، أو ليسهل عزله من قبل الشعب، ولكي تعود المواجهة مدنية دينية واضحة: صباحي مقابل مرسي.