يتطلع أبناء الخليج إلى اتحادهم المقترح منذ حوالي ستة أشهر، بعد اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التحول من صيغة التعاون إلى الاتحاد، وذلك خلال قمة قادة التعاون التي عُقدت بالرياض في ديسمبر الماضي. وقد رأت بعض الصحف الخليجية أن القمة التشاورية الأخيرة لقادة التعاون بالرياض قد "رحّلتْ" موضوع الاتحاد إلى قمة استثنائية تعقد لهذا الغرض! بعد أن تزايدت تكهنات بأن الاتحاد سيُعلن بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين. ولكن رئيس القمة التشاورية الملك عبدالله، صاحب المشروع، أعلن عن تأجيل الاتحاد لمزيد من الدراسة. ويبدو أن بعض الأطراف الخليجية رأت دراسة مشروع الاتحاد حتى لا يكون قراراً "عاطفياً" أو ردة فعل لاستحقاقات سياسية وأمنية في الجوار الجغرافي. وتسربت أحاديث عن تحفظات" لدى بعض الدول الخليجية تتعلق بالقوانين المحلية في كل بلد. وأيضاً ترتبط بتوجهات كل بلد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاعية. بل إن سلطنة عمان قد أعلنت على لسان وزير الدولة المسؤول عن الشؤون الخارجية أنها مع الإبقاء على صيغة "التعاون" في هذه المرحلة. وكانت أوساط دبلوماسية خليجية قد رفضت ربط "عدم إعلان الاتحاد بالتهديدات الإيرانية"، مؤكدة أن التأجيل قد جاء لأسباب داخلية متعلقة بدول التعاون نفسها. وقد يكون في هذا الموقف شيء من الرجاحة، لأن الاندفاع "النوستالجي" للاتحاد قد يشوبه العديد من المحاذير، التي قد تأتي بنتائج سلبية على الاتحاد. وثمة سياسيون خليجيون لم يتفاجأوا -كما تفاجأت الدكتورة سميرة رجب وزيرة الدولة لشؤون الإعلام بمملكة البحرين في إحدى الفضائيات- بتأجيل الاتحاد، ورأوا أن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي كان مُحقاً بأن بعض القضايا -الواردة في تقرير هيئة الاتحاد المؤلفة من 18 شخصاً من دول المجلس الست- تحتاج إلى توضيح أكثر، وقد تفسّر تفسيرات مختلفة. ولذلك أوكل القادةُ للمجلس الوزاري (وزراء الخارجية) دراسة التقرير المذكور ورفعه لقمة استثنائية تعقد من أجل الاتحاد. والمفكرون الخليجيون -خارج الأطر الرسمية- يرون أن فكرة الاتحاد شابها بعض الغموض، كما رأى خبير قانون خليجي، وأشار إلى دراسة -على شباب مجلس التعاون- ذكرت عدم معارضتهم للاتحاد، ولكن أن يُصاحب الاتحاد أو يسبقه "مزيدٌ من الحريات، ومشاركة في القرار، وصيانة حقوق الإنسان"، وأن الكيان الأمني الذي تحقق في الاتفاقية الأمنية وقرارات الدفاع المشتركة كانت كافية. ورأى أن استطلاع آراء الشعوب، وتوسيع هامش الحريات وإدارة عجلة الإصلاح دون تأخير من الأسس المهمة لقيام الاتحاد. ويرى مفكرون خليجيون قضية "توزيع القوى داخل الاتحاد" أمراً مهماً، وأن يكون مدروساً، كما أشار إلى ذلك الباحث السعودي عبدالعزيز الخميس، الذي تساءل: أي زعيم سيمتلك معظم السلطة؟ وما هي حدود سلطة الاتحاد الجديد؟ وأشار الباحث إلى وجود "تخبّط ونقص وقصور وتفاصيل مُضطربة". وهو الموقف الذي أشار إليه -من طرف- وزير الخارجية السعودي. كما أشار الباحث إلى موضوع مهم وهو المركز والأطراف! وما هي صلاحيات الوسط؟ خصوصاً في غياب عنصر مهم من عناصر الوحدة وهو البرلمان! وسؤالنا هنا: هل سترضى دولة المركز أن تنهض دولة من الأطراف لتكون قائدة للاتحاد؟ وهل أدبيات العلاقة بين دول المجلس ستسمح بذلك؟! ويشير الباحث إلى قضية غياب الشعب الخليجي وإرادته في آلية عمل مجلس التعاون، وهو ما يمكن أن يستمر في حال الاتحاد. وهذا موضوع شائك ومتفاوت ومُلتبس في دول مجلس التعاون. وقد ظهرت بعض التعليقات في الإعلام: منها أنه إذا كان الاتحاد سوف "يقوض" مسارات ومكتسبات التنمية الاجتماعية والحضارية للدول التي سبقت شقيقاتها، فإنه لا داعي لهكذا اتحاد! وأنه إذا كان الاتحاد سيمنع المرأة الإماراتية أو البحرينية من قيادة السيارة وحرية سفرها وانتقالها! أو سيحد من حرية الصحافة والإعلام، أو التجمعات السلمية أو المشاركة الشعبية، فلا داعي لهكذا اتحاد! وهنالك أسئلة مفتوحة في قضية الاتحاد الخليجي، مثل: - هل سيحقق الاتحاد بجرة قلم ما عجز عن تحقيقه مجلس التعاون خلال أكثر من ثلاثين عاماً؟ - وهل ستتحقق المواطنة الاتحادية بمجرد إعلان قرار الاتحاد؟ - وهل سيوافق برلمان الكويت -المُنتخب شعبياً- على الانضمام للاتحاد؟ - وهل ستتحقق للنساء السعوديات ما تحقق لشقيقاتهن القطريات والإماراتيات والبحرينيات؟ - وهل سيكون الاتحاد فعلاً اتحاداً متكاملاً؟ أم سيكون حلفاً عسكرياً، ويظل الشكل (التعاوني) الهشُّ مستمراً بين دول الاتحاد؟ أظهرت التصريحات التي سبقت القمة التشاورية الأخيرة بالرياض تحمّسَ المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين للاتحاد، وأظهرت سلطنة عمان موقفاً واضحاً بعدم الانضمام للاتحاد، بينما رأت دول أخرى -وهذا ما برز في تلك القمة- زيادة بحث الموضوع، وبما يضمن وجود كيان جديد قابل للتطور، بحيث لا يُكتب في التاريخ: "إنه على شاكلة الاتحادات العربية المنهارة"، وقد يكون هذا الرأي هو الأصوب، وهو ما تبنته القمة التشاورية. الأدبيات الخليجية تقول: كل تأخيرة فيها خيرة! ونأمل أن يكون مصير الاتحاد في هذا الاتجاه.