"ينحصر الخيار في هذه الانتخابات بين اقتصاد ينتج طبقة وسطى ويعطي الناس فرصة العيش الكريم كما يوفر لأبنائهم فرصة الازدهار، وبين اقتصاد يستمر في ذات الطريق التي نسير عليها اليوم، حيث يعيش عدد محدود من الناس حياة مريحة فيما الجميع يلهث جرياً لمواكبة إيقاع الحياة السريع والصعب"! كان هذا تصريحاً لمستشار أوباما، "ديفيد أكسيلورد"، في برنامج على قناة "فوكس نيوز"، موضحاً لماذا على الأميركيين التصويت لصالح أوباما. ومع أن هذا التصريح قد لا يكون موفقاً، إلا أنه من الواضح سعي حملة أوباما إلى إعادة عقارب الزمن إلى انتخابات 2008 عندما كان الخيار وقتها بين التغيير والأمل من جهة، أو الاستمرار على نفس الطريق الذي اختطته الإدارة السابقة من جهة أخرى. وبصرف النظر عن المناورات الخطابية والحذلقات اللغوية التي يتلفظ بها مساعدو إدارة أوباما علَّهم يذكرون الناخبين بمجد أوباما القديم وقدرته على اجتذاب شرائح واسعة من الناخبين، فإن المشكلة تكمن في تمسك أوباما بخطاب التغيير فيما الوضع الاقتصادي العام لا يبشر بقرب وقوع ذلك بالنظر إلى الصعوبات والأخطاء التي ارتكبها على مدار السنوات الماضية، وهو ما يفسر تعلق أوباما بالرئيس الأسبق رونالد ريجان واستحضاره في أكثر من مناسبة باعتباره نموذجاً للمنطق السليم والتسامي فوق الصراعات الحزبية الضيقة. بل إنه في بعض الأحيان يريد تسمية بعض القوانين باسمه ربما تبركاً بالنجاح الذي حققه والإرث الذي تركه وراءه. وقد انتبهت مجلة "التايم" لهذه العلاقة التي يريد أوباما نسجها مع ريجان عندما عنونت غلاف أحد أعدادها بسؤال ذي دلالة: "لماذا يشجع أوباما ريجان؟". الحقيقة أن هناك عنصرين يفسران هذا التعلق الذي يبيده أوباما بالرئيس "الجمهوري" الأسبق ريجان، على رغم الاختلاف الأيديولوجي الواضح بينهما، أولهما رغبة أوباما في أن يكرر التاريخ نفسه، أو بالأحرى أن تعيد العجلة الاقتصادية دورانها ليخرج من الأزمة تماماً كما كان الوضع مع ريجان. فقد كانت خطط أوباما تقوم على افتراض أن يعيد الترشح للانتخاب وسط اقتصاد مزدهر يسانده في البقاء لفترة ثانية في البيت الأبيض، وهو بالضبط ما حصل مع ريجان الذي بعد أن ورث اقتصاداً متدهوراً عاود الاقتصاد نهوضه من جديد ليتصادف ذلك مع الانتخابات التي حملته مجدداً الرئاسة. ففي تلك الفترة وصل النمو الاقتصادي في أميركا إلى 6 في المئة، كما أن الناتج الداخلي الخام للولايات المتحدة في عام 1984 تجاوز 7 في المئة، فيما تراجعت معدلات البطالة والتضخم. والحال أن سجل أوباما الاقتصادي بعيد كل البعد عن هذه الإنجازات، والاقتصاد في أفضل الأحوال يعيش تعافيّاً هشاً وضعيفاً يهدد بالانتكاس مجدداً إلى سنوات الركود والنمو البطيء جداً الذي لا يساعد على خلق الوظائف بالوتيرة المطلوبة. ومع أن أوباما يركز في حملته الانتخابية على ما حققه في مجال الوظائف، ولاسيما خلق ثلاثة ملايين فرصة عمل، إلا أن عدداً أكبر من الأميركيين خرج تماماً من سوق العمل بعد فشل المحاولات المتكررة في إيجاد وظيفة. أما العنصر الآخر الذي يدفع أوباما إلى استلهام نجاح سلفه ريجان فيكمن، حسب مجلة "التايم"، في القدرات الخطابية للرجلين وقوتهما في مجال العرض اللغوي، وهو ما عبر عنه المتحدث باسم البيت الأبيض، "روبرت جيبز"، قائلاً: "نود أن تنتهي قصتنا بنفس الطريقة التي انتهت بها مع ريجان". ولكن معضلة أوباما هي بالضبط الاعتماد المفرط على مهاراته الخطابية وتعويله عليها في أن تبقيه في البيت الأبيض. فهو يتمسك بسلاحه في مجال الخطابة والتواصل الجيد مع الجمهور مستنداً إلى فرضية تقول إن ذلك يجذب الجمهور ويحشد المؤيدين. وعلى رغم ما قد تنطوي عليه هذه الفرضية من وجاهة، تبقى الحقيقة أن أوباما لم يتمكن ولو مرة واحدة من إقناع الجمهور بوجهات نظره المتعلقة خصوصاً بالقضايا الداخلية التي تهم الأميركيين. ولو كانت الخطابة تكفي وحدها لإقناع الجمهور لنجح أوباما في تبديد المخاوف بشأن خطته للرعاية الصحية التي فرضها، ولساهم في إقناع المواطنين بها، ولاسيما أنه ألقى أكثر من خمسين خطاباً في أكثر من ولاية لتقديم خطته للأميركيين من دون جدوى، وما زلت الخطة حتى بعد إقرارها تلقى معارضة شديدة وتحفظاً واضحاً من الأميركيين. ومع ذلك يواصل أوباما حملته الانتخابية متنقلًا من ولاية إلى أخرى مروجاً لبرنامجه وسياساته غير الشعبية مثل برنامج إصلاح الرعاية الصحية ومضاعفة الإنفاق على الطاقة النظيفة، والحاجة إلى زيادة الاستثمار الحكومي في البرامج الاجتماعية، فضلاً عن خططه غير الواضحة بشأن ترشيد النفقات من جهة وفرض المزيد من الضرائب على الأغنياء من جهة أخرى. والمشكلة التي تؤرق أوباما اليوم هي إدراكه أن أسلوبه الباهر في الخطابة قد يكون مجرد مبالغة لن تساعده كثيراً في الاحتفاظ بمنصبه، ولاسيما في ظل تعليقات الخبراء التي تنفي أن يكون لمهارات "ريجان" الخطابية دور في حشد التأييد له في الانتخابات، وهو ما أشار إليه الصحفي "إزرا كلاين"، في مجلة "نيويوركر"، عندما حلل اللغة الانتخابية للرؤساء فخلص إلى أنه لا يوجد دليل مقنع يفيد بأن الرؤساء نجحوا في التأثير الكاسح على الناخبين باللغة فقط. ومع أن وجهة نظري الخاصة لا تنفي تماماً تأثير الخطابة على الناخبين والقدرة التواصلية للسياسيين في إقناع المواطنين، يبقى الأكيد أن النتائج أهم من الكلمات في تحديد مستقبل السياسي وقربه من دخول البيت الأبيض، أو فرصه للبقاء فيه. ----------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"