يمكن القول إننا حصلنا خلال هذا الأسبوع على أول إطلالة حقيقية على الطريقة التي سيدير بها كل من أوباما ومنافسه الجمهوري شبه المؤكد ميت رومني حملتيهما الانتخابيتين استعداداً للانتخابات الرئاسية القادمة. ففي خطاب له، وصف أوباما منافسه رومني بأنه أرستقراطي بعيد عن الإحساس بنبض الشارع، ولا يهتم كثيراً بمصاعب الطبقة العاملة التي تتقاضى أقل الأجور. وسرعان ما رد عليه رومني الذي وصفه بأنه هو الآخر ليبرالي بعيد عن الإحساس بنبض الشارع، لا يهتم كثيراً بكفاح رجال الأعمال الشرفاء الذين يريدون توفير الوظائف للعاطلين. واتهم أوباما رومني وحزبه باتباع "الداروينية الاجتماعية" من خلال التخطيط لحماية جهات الإقراض معدومة الضمائر من اللوائح والقوانين. أما رومني فقد اتهم أوباما بـ"الحقد على النجاح"، وبإطالة أمد الركود من خلال اتباع "أجندة مناوئة للأعمال، ومناوئة للاستثمار، ومناوئة للوظائف". ووجه رومني اللوم لأوباما لمسؤوليته عن ارتفاع أسعار البنزين واتهم أوباما رومني بأنه في جيب" المصالح النفطية الكبرى". واتهم أوباما رومني بأنه يخطط" لإنهاء مشروع ميدي كير كما نعرفه"، في حين اتهم رومني أوباما بأنه "يتخذ خطوات سوف تؤدي لإنهاء ميدي كير كما نعرفه". ويكفي هذا القدر من الاتهامات المتبادلة في سياق منافسة فكرية محتدمة. فمن الواضح أن كلا المرشحين يؤمنان بأن الحملة الانتخابية الجمهورية التمهيدية قد انتهت وأن الطريق للفوز في نوفمبر هو أن يغدو المرء سلبياً، وبشكل مبكر في أحيان كثيرة. وحتى هذا الأسبوع، كان رومني مضطراً لتركيز الجانب الأكبر من اهتمامه على منافسيه (المنهمكين) في التسابق على الترشح. لم يعد الأمر كذلك، فكل ما يريده رومني الآن هو الحديث عن أوباما. ومن الواضح أن أوباما ينوي أن يرد الانتقاد بمثله. ورومني، وليس في هذا ما يدعو للدهشة، يريد أن يجعل من الانتخابات استفتاءً على أداء أوباما خلال فترة ولايته الأولى في الرئاسة، لذلك سيحاول أن يستمر في التركيز على تباطؤ عملية التعافي الاقتصادي، وتضخم العجز، وقانون الرعاية الصحية الذي يحبذه عدد قليل من الناخبين. أما حملة أوباما فتريد للانتخابات أن تتركز على الاختيار الحاسم بين حزبين بدلاً من التركيز على أداء أوباما خلال السنوات الأربع الماضية، وهذا تحديداً هو ما يدفع الرئيس للنزول مبكراً للساحة كي يعرّف رومني بأنه يبدو كمحافظ متشدد في عيون الناخبين المستقلين والمتذبذبين، قبل أن ينفض رومني عن كاهله آثار المعاناة القاسية خلال الحملة التمهيدية للجناح اليميني، ويعيد تعريف نفسه كمحافظ معتدل. واستراتيجية أوباما تقوم على ربط رومني بجماعة من السياسيين اليمينيين الأقل شعبية في الولايات المتحدة الذين تضمهم حركة "حزب الشاي" المحافظة المتطرفة والأعضاء في مجلس النواب. وكذلك ربطه بمقترح الميزانية البالغ الصرامة الذي قدموه وهو " مقترح ميزانية تنحاز إلى أقصى اليمين بحيث تجعل العقد مع أميركا، يبدو وكأنه نسخة حديثة من العهد الجديد New Deal لروزفلت". ومن المعروف أن رومني يصادق على خطة الإنفاق الجمهورية المقدمة لمجلس النواب. ليس هذا فحسب بل اعتبر تلك الخطة "مدهشة"، وهي كلمة لا تستخدم عندما يتعلق الأمر بالميزانيات، على حد قول أوباما. كل تلك المؤشرات والدلائل تؤشر على أننا نتجه نحو حملة ستأخذنا للوراء، لحملة 2004 التي واجه فيها الرئيس جورج دبليو بوش الذي كانت شعبيته قد تدنت في ذلك العام بسبب تداعيات حرب العراق، تحدياً من جانب السيناتور الديمقراطي "جون كيري". كانت تلك حملة قام فيها كلٌ من الحزبين بإنفاق الجزء الأكبر من طاقته في محاولة كسب استطلاعات الرأي، ولم ينفق وقتاً كبيراً في بناء تحالف أوسع نطاقاً يمكن أن يضم الوسط. وكانت النتيجة فوز بوش على كيري بفارق ضئيل، لم يتح له أن يتمتع بالتفويض الذي كان يريده في ولايته الثانية كما اكتشف عام 2005 عندما حاول أن يصحح نظام الضمان الاجتماعي وفشل في ذلك. وفي الحملة الحالية هناك بديل، وما زال أمام كل من أوباما ورومني ستة أشهر على موعد الانتخابات يمكن أن يجربوه خلالها وهو: أن يخرج كل منهم من منطقته الدافئة (المريحة) ويبدأ في معالجة القضايا التي قد لا تتناسب تماماً مع نقاط الحديث، أو الخطابة الحزبية. يمكن لأوباما مثلاً أن يتحدث عن الكيفية التي سيدفع بها حزبه كي يصبح أكثر جدية بشأن تخفيض العجز، بما في ذلك إجراء استقطاعات في نسبة نمو الإنفاق على الضمان الاجتماعي ومشروع ميديكير. ويمكن لرومني من جانبه شرح البرامج المحلية التي سيقوم بإلغائها وتلك التي سيبقي عليها، وما هي الإعفاءات الضريبية التي سوف يستبعدها كجزء من خطته للإصلاح الضريبي، وأن يقوم بدلاً من الاكتفاء بمهاجمة مشروع ميدي كير، باقتراح بديل متكامل. وهذا بالطبع طريق خطر لأي منهما، لأن معالجة هذه القضايا لن يجلب الهتافات والتصفيق من الأنصار الحزبيين، لكنه سيمنح الرئيس القادم بداية موفقة باتجاه ما يتعين عمله بالفعل. دويل مكمانوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"