لا يحسب للإمارات كدولة أنها دخلت في تصادم مع جماعة حزبية إلا هذه المرة في حزمها وصرامة موقفها ضد تيار "الإخوان المسلمين". وعلى مستوى البعد الخارجي فإن رموز هذا التيار هم الذين بدأوا الهجوم والحشد ضد الدولة، فهي في كل قراراتها كانت تتحدث عن سيادتها وأمنها، فإذا قررت أن ترحّل جماعة تنتمي لحزب لبناني أو جماعة سورية، أو تمنع دخول شخص أو جنسية ما، فلها مبرراتها، وهذا حقها، لأن أمن الوطن هو قبل أي اعتبار آخر ولا يتحمل وسطية أو لغة دبلوماسية، هكذا علّمتنا التجارب. وإذا كانت الدولة قد تحركت لتضبط وتقيد حركة المنتمين لهذا التيار من أبنائها في الداخل، فهذا أيضاً حقها، ومن واجبها حماية المجتمع ووحدة واستقرار الوطن، فما قيمة أن تبني وتعلم وتحصن وتغذي العقول الشابة بالتسامح والانفتاح وتقبّل الآخر، وتنمي فيهم محبة الوطن وقيم السلام والخير واحترام الغير، وأن تكون طاعتهم لله من غير وسيط طائفي أو حزبي ولا أجندة سياسية، وأن يكون ولاؤهم لولي الأمر الذي هو رئيس الدولة ووطنهم وحبهم للإمارات.... ما قيمة أن تغرس فيهم هذه المثل والقيم النبيلة، وتأتي طائفة تقول لهم عكس ذلك؟ لقد اجتهدت الإمارات في ترسيخ اسمها، وصنعت لها مكانة عالية يحترمها القاصي والداني، ولا يمكنها أن تسمح لجماعة "الإخوان"، أو غيرها، بتقويض هذه المجهودات والإنجازات. تشبيه بليغ للدكتور عبد الله النفيسي، وهو أحد رموز ومفكري تيار "الإخوان المسلمين"، وقد خرج قبل أسابيع في حوار تلفزيوني بقناعة يعرفها الجميع، ليعترف هو الآخر أيضاً بأنهم مجرد "ظاهرة صوتية" لا تصلح للبناء والاستقرار في وصفه لـ"الإخوان المسلمين" في مصر وفي العالم بشكل عام، وتشبيهه لهم بأنهم "مثل سلاح المدفعية، قادر على أن يهدم وليس لديه خبرة البناء"، واتفاقه مع وجهة نظر الفريق ضاحي خلفان التي ذكّره بها مقدم البرنامج من أن إيران وأميركا و"الإخوان المسلمين" خطر على أمن الخليج، لكن رأيه في الخطر الثالث ونزعتهم إلى السلطة السياسية كان أنه "بعيد عنهم... لأنهم دخلوا في البيزنس وكونوا مصالح وإمبراطوريات"، إنهم أبواق وضجيج ولكنهم لا يملكون رؤية أو فلسفة للحكم أو لتعمير الأوطان. وضرب مثلاً بحركة "حماس" التي هي جزء من هذا التيار "عندما دخلت الحكم تحولت من حركة مقاومة ناجحة إلى دولة فاشلة"، وكذلك نظرته للجماعة في حكم تونس أنهم مثل اللحمة "النيئة"، لا يمكنهم أن يعمروا طويلاً على حد قوله. كذلك نصيحته لـ"الإخوان المسلمين" كجماعة "لابد أن تحل نفسها". وجهات النظر التي تطرح هذه الأيام في وسائل الإعلام الاجتماعي حول تيار "الإخوان المسلمين" في العالم العربي جديرة بالمتابعة والاهتمام، ويلاحظ المتابع لها أنها وجهات لا يمكن أن تلتقي أو تتصالح أو تتفق، يعنينا هنا هذا الحوار الذي يدور حول حركة "الإخوان" في الإمارات، لأول مرة يكون الطرح بهذا الوضوح وتسمية الأشياء بأسمائها، لكن لغة التخاطب فيها من الشطط والتعصب والقذف ما لم يتعوده هذا المجتمع. وأقول، الجديد اليوم هو أن يكون الطرح والمناقشة بهذه العلنية والوضوح، لأن حركة "الإخوان" ليست جديدة على المجتمع، وإن هناك إشكاليات دخلتها هذه الجماعة، وأن أفرادها أعطوا فرصاً للتجريب ولممارسة شعاراتهم ونظرياتهم في الميدان. والسكوت عليهم في حالات كان يأتي ضمن فلسفة المجتمع في محاولة احتواء أفراده ومناقشة قضاياه بهدوء ومن غير ضجيج إعلامي، ومن غير تجريح وإساءة أو تشكيك في نواياهم ومحبتهم لبلدهم. لماذا صار هذا التحول، وفي هذا الزمن العربي الصعب؟ الحكومة خرجت وقالت أسبابها في ذلك. لكن اللغة التي استخدمها بعض أفراد تيار "الإخوان" صدمت المتابع والمهتم، وهي التي قد تكون فتحت الباب للسقوط إلى هذه المستويات من النقاش، وإلى هذه الصدامات. لغة "الإخوان" هي نفسها التي سمعناها قبل عشرين عاماً، يكررونها باستمرار، الجديد فيها أنها أكثر هجوماً وتجريحاً للبلد وأنظمته وقيادته، وأنهم استغلوا فضاء الإعلام الجديد لهذه الغاية تحديداً. أحد رموز هذا التيار ومنذ أشهر يغرد بلغة بغيضة، فكل ما في هذا البلد عنده فاسد: التعليم، الأمن، السياسة، الاقتصاد، السياحة، القضاء، العمل الخيري... وكاد يصل إلى وصف أهله بالمفسدين مشبهاً بعضهم بفرعون وهامان! لا يوجد في طرحه أتقياء يمكن أن ينقذوا هذا البلد من عذاب الله سوى بعض الأخيار من أصحابه الذين ذكرهم بالاسم. وغيره من رموز هذا التيار، الذين يغردون ليل نهار بلغة شبيهة، بعضهم زايدَ على صاحبنا هذا، وبعضهم دونه، وبعضهم يستعدي دولاً على دولته، وبعضهم يحاول أن يشكك ويفكك نسيج هذا الوطن، فيتغزل بإمارة ويهاجم أخرى. لا يجوز مثل هذا الشطط. أي دين وأي مذهب وأي عقل هذا الذي يجعلك تتجنى على وطنك وأهلك؟ كيف تريد أن يحبك الناس ويستمعون إليك وتطالبهم أن يصدقوك ولسانك بهذا السوء؟ وأية قضية هذه التي تدافع عنها؟ وأية حقوق هذه التي تطالب بها وبهذه اللغة؟! هذه الحروب التي اصطنعها تيار "الإخوان"، واللغة الشرسة التي استخدمها طوال السنوات الماضية، مازلنا نذكرها ونحن طلابا في المدارس، من قولهم في وصف صحافة الإمارات "لو كلب عوى ألقمته حجراً"، إلى حرب "الكاسيت" واستغلال خطب الجمعة. عايشنا تلك الحروب الشعواء من خلال سيطرتهم على اتحاد الطلبة في جامعة الإمارات وخارجها. كانت دائماً نظريتهم أنهم هم المصلحون، وأن الآخرين على باطل. إشكاليتهم دائماً مع الجميع هي أن الذي لا يكون معهم فهو ضد الوطن، وضد الدين، وهو فاسد، شيوعي، ماركسي، ليبرالي، علماني، فاسق... وغيرها من التوصيفات. حتى أنهم في حربهم لم يعترفوا بالفصائل الإسلامية الأخرى ولم يحترموها، وهي التي لم توافقهم الرأي والمنهج التعاملي في التفسير والتطبيق. كانوا في كل مرحلة من تاريخ بناء هذا الوطن يتلونون حسب طبيعة المرحلة ومصالحهم. بعض القيادات القديمة والخبيرة في فنون "حرب المدفعية" الكلامية - كما وصفهم النفيسي- عليها اليوم أن تراجع مواقفها، فلن تصلحوا وطنكم باستعداء أهلكم عليكم، ولا باستجداء العون من تنظيم وقادة "الإخوان" الذين ساهموا في تدمير البلدان التي تسلّطوا فيها. كيف علينا أن نرتقي بلغة حوارنا ومناقشاتنا جميعاً من أجل مستقبل أفضل لإنسان هذا الوطن، فنحن أمام جيل جديد لا يجب أن نغرر به، علينا أن نستغل حماسه وثورة شبابه وعطاءه في بناء الوطن وتنمية المجتمع... هذه مسؤوليتنا جميعاً.