الانتخابات والوحدة الوطنية
دعا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أعضاء مجلس الأمة الذي تهيمن عليه المعارضة إلى حماية الوحدة الوطنية، فما الذي دفعه قبل الانتخابات وبعدها إلى مناشدة المواطنين الابتعاد عن الطائفية والقبلية في اختيارهم للنواب الجدد.
لا أحد ينكر أن أكبر تهديد للكويت هو افتقارها للوحدة الوطنية. علماء السياسة في الغرب حذروا من خطر تمزق المجتمع كلما تركزت أنظار مواطنيه على الاختلافات الثقافية والدينية، ما يعني أنه ينبغي وجود هوية مشتركة بين مواطني ذلك المجتمع تفوق الهويات الطائفية والقبلية وتتجاوزها.
والكويت تاريخياً لم تعرف التمزق الطائفي والقبلي، فقد تعايش مجتمعها قبل النفط، حيث وحَّدته قسوة الحياة وصعوبتها. أما في مرحلة الستينيات فهيمنت الهوية القومية وانصهر الشباب الكويتي فيها... لكن الهزيمة العربية عام 1967 وأفول القومية العربية فتحا المجال لبروز الإسلام السياسي السني، ثم جاءت الثورة الإيرانية في أواخر السبعينيات لتبرز ظاهرة الإسلام السياسي الشيعي، وساعد سقوط الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات على بروز الهويات القومية والإثنية والعرقية.
نعود إلى الكويت ولماذا ازدادت ظاهرة التمزق القبلي والطائفي في انتخاباتها؟ في كل المجتمعات الديموقراطية، أصبحت قضية الوحدة الوطنية هي الأساس، لأنه في هذه المجتمعات يحرص المرشح على كسب أصوات الجميع، من طوائف وأعراق وقوميات وأديان مختلفة، بطرحه قضايا وطنية تحقق مصالح الكل وليس فئة بعينها.
لكن لماذا فشلت الكويت في تحقيق الوحدة الوطنية؟ ولماذا يتمزق مجتمعها في فترة الانتخابات؟ وهل دعوة الحكومة والنواب لسن قانون جديد يجرم الإساءة للوحدة الوطنية هو الحل؟ وهل يمكن تحقيق الوحدة الوطنية بالتشريع؟
مفهوم الوحدة الوطنية مفهوم غربي ارتبط بالمواطنة ونشوء مؤسسات المجتمع الوطني، وما نعاني منه في الكويت، والوطن العربي عامة، هو الافتقار لروحية المجتمعات المدنية القادرة على توحيد الشعب والتصدي لاستبداد السلطة.
لكن من المسؤول عن تمزق الوحدة الوطنية في الكويت؟ وهل تمكن مواجهة مروجي الطائفية والقبلية؟ نحن لسنا متفائلين بخصوص نجاح المشروع الجديد الذي يتفق عليه النواب مع الحكومة، فهذه الأخيرة مثلاً هي التي وزعت بيوت الإسكان حسب الانتماء القبلي والطائفي وكأنها لا تريد انصهار المجتمع في بوتقة واحدة. ويعود سبب ذلك إلى الاعتبارات الانتخابية، حيث لم تعمد الحكومة إلى دمج السكان في المناطق السكانية الجديدة. كما أسهم نواب مجلس الأمة في تمزيق الوحدة الوطنية، حيث يحرص نواب القبائل على إجراء الانتخابات الفرعية لقبيلته وكأنه مرشح القبيلة وليس الشعب الكويتي. فالتصويت في بعض المناطق القبلية يتم حسب الانتماء القبلي وليس حسب الكفاءة والعلم والإدارة وخدمة الوطن. نفس الظاهرة موجودة في المناطق الداخلية حيث سعت جماعات الإسلام السياسي السنية (من "إخوان" وسلف) إلى دعوة الناخبين السنة للتصويت للسنة فقط لهزيمة مرشحي الشيعة، والذين بدورهم وعن طريق أحزابهم ومرجعياتهم الدينية، طالبوا المواطنين الشيعة بالتصويت للمرشحين الشيعة فقط، حفاظاً على هويتهم وحقوقهم كأقلية مظلومة!
ما تشهده الكويت خلال الانتخابات لا ينحصر في الصراع الطائفي، بل يمتد ليشمل أهل المدينة والبادية، فالصراع بين المتطرفين في الدين، كان أول ضحاياه المعتدلون من المواطنين والحكومة. فلا يمكن تحقيق الوحدة الوطنية إلا من خلال التركيز على مفهوم المواطنة في ظل الدولة الدستورية الوطنية.