لا ضير في الأذان في حد ذاته. فهو واجب شرعي للإعلان عن أن وقت الصلاة قد حان حتى تجتمع الناس وتؤدي فريضة الصلاة. فالغاية عملية وليست نظرية، تجميع الناس لأداء الفريضة وليس مجرد الإعلان. ولما كان الناس مجتمعين داخل قاعة مجلس الشعب فلا معنى للنداء على الصلاة. يمكن أن يتم ذلك خارج القاعة في المسجد الملحق أو في الفضاء الفسيح حتى يجتمع من هو خارج القاعة أو من يريد من النواب داخل القاعة تفضيل الواجب الشرعي على أداء الواجب الوطني، فيخرج ثم يعود. وآلاف المساجد بالقاهرة تفعل ذلك لتعلن عن واجبات الأمة الإسلامية. وصحيح أيضاً أن أداء الصلاة في أوقاتها واجب شرعي. وفي هذه الحالة تكون الصلاة على الفور. ولكنها يمكن أن تكون أيضاً على التراخي بمصطلح الأصوليين أي ممدودة حتى يحين وقت الصلاة التالية. فالظهر وهو وقت اجتماع مجلس الشعب ممدود حتى العصر. وفي هـذه الحالة تكون الصلاة على التراخي. وإن لم يحدث فيمكن أن تكون الصلاة قضاء أي بعد فوات وقتها المحدد أو الممتد. فالدفاع عن مصالح الشعب واجب وطني يمكن بسببه أن تؤدى الصلاة على التراخي أو قضاء. ومصالح الشعب هي المصالح العامة للأمة أو المصالح المرسلة بلغة الفقهاء. صحيح أن الحرب ليست مانعاً للصلاة في وقتها عن طريق التبادل بين صفوف المحاربين، صف يصلي وصف يحارب. وقد كان ذلك ممكناً عندما كانت الحرب قتالاً بالسيوف ومواجهة بين المحاربين. أما الحرب الآن فتتم عن بُعد بإطلاق الصواريخ دون رؤية العدو وجهاً لوجه. فأساليب الحرب تتغير مما يقتضي الاختيار بين مواقيت الصلاة التي سمح بها الفقه. وكثير من النواب من الأقاليم ولديهم رخصة صلاة المسافر، الجمع أو القصر. والنائب المؤذن إنما يمثل الشعب ولا يمثل الدين الذي يؤمن به أو الحزب الذي ينتمي إليه. وقد اختاره الناس لذلك. وإن لم يفعل يتم حسابه بعد انتهاء الدورة على سوء أدائه في مجلس الشعب وتخليه عن واجباته كنائب وليس حسابه كنائب لم يؤذن للصلاة داخل المجلس، أو لم يؤد الصلاة في المسجد خارجه.و سيحاسب النائب المؤذن على الخدمات العامة التي ما زالت قاصرة في الدائرة، المياه النظيفة، الصرف الصحي، شبكات الكهرباء، المدارس الجديدة، المستشفيات والمستوصفات والعيادات الصحية التي لم يتم بناؤها، المساكن الشعبية بدلاً من العشوائيات والمقابر، فرص العمل للعاطلين. إذا كان النائب المؤذن نائباً لأحياء المدينة فإن الناس تتنظر منه ماذا فعل للضحايا، وتعويض أسرهم، وحساب القتلة. ماذا فعل لحل قضية الفقر في مصر وإعادة هيكلة سياسة الأجور، بين الحد الأدنى والحد الأعلى. ماذا فعل لاسترداد الأموال المهربة إلى الخارج، ومحاسبة رؤوس الفساد ورأس النظام. ماذا فعل لإعادة توزيع الثروة في مصر بين سكان المقابر والنجوع والعشوائيات ومدن الصفيح من ناحية وسكان التجمع الخامس والمدن الجديدة. هل طالب بفرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء لمصلحة الفقراء؟ هل سأل عن ثروات أعضاء المجلس العسكري ومرتباتهم ومكافآتهم المنظورة وغير المنظورة؟ هل استجوب وزير الداخلية عما حدث في ملعبي بورسعيد والقاهرة وعن تخاذل الأمن في حفظ النظام والأمن في البلاد من "البلطجية" وقطاع الطرق والاستيلاء على المصارف والبنوك؟ هل طالب بالإسراع في تطبيق أهداف الثورة بعد انقضاء عام كامل على اندلاعها، مما سمح للثورة المضادة بتجميع قواها والبداية بالهجوم المضاد بدءاً بحوادث بورسعيد؟ هل حاول الحوار مع باقي التيارات السياسية الأخرى خاصة الليبرالية والاشتراكية والقومية لتكوين جبهة متحدة متفقة على الحد الأدنى من الأهداف بدلاً من اتهام الثوار بالتفتت والتشتت والتفرق؟ لقد فضل النائب المؤذن المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية، والإعلان عن النفس بدلاً من إنكار الذات. لقد آثر حب الظهور بدلاً من العمل في صمت. وأراد المزايدة في الدين وكأن باقي النواب ليسوا مسلمين، وليسوا حريصين على الصلاة مثله. أراد إحراجهم ووضعهم في موقف صعب بين اختيارين أحلاهما مر. لو تبعوه لتخلوا عن تمثيلهم للشعب والدفاع عن مصالحه. ولو خالفوه لكانوا ضد الدين والتذكير بضرورة أداء الواجبات الشرعية في أوقاتها. وماذا عن النواب الأقباط الذين قد يطالبون أيضاً بدق الأجراس وحمل الصلبان يوم الأحد ظهراً أثناء انعقاد المجلس؟ هنا تتغلب الطائفة على الوطن، والطائفية على المواطنة. وماذا عن العلمانيين الذين يعطون الأولوية للدفاع عن المصالح الوطنية ويعتبرون الصلاة علاقة خاصة بين الإنسان وربه؟ وقد حدث مثل ذلك في السبعينيات عندما دخلت الحركات الإسلامية في صراع مع النظام في ذلك الوقت وأفرج عن عناصرها لاستعمالهم ضد الناصريين عندما قام أحد الطلاب وسط المدرج في الجامعة لأذان الظهر وأداء الصلاة. فيخرج الطلاب معه. ويؤدون الفريضة ويعودون مما يجعل المحاضرة تفقد نصف ساعة من وقتها مع انقطاع الدرس لدى الأستاذ والطلبة مما يصعب معه العودة إلى نقطة البداية في الدرس. والعلم أيضاً واجب شرعي. وفي المأثور "ساعة علم خير من عبادة سبعين سنة". وهو مكسب صغير، الإعلان عن وجود التيار الإسلامي، وخسارة كبيرة في انقطاع العلم. والمقصود ليس هو الصلاة بل إثبات الوجود السياسي. وبعد خروج ذلك التيار إلى الحياة العامة يحتاج ممثلوه إلى الظهور وإثبات الذات حتى ولو كانت هناك مغالاة مثل الخروج من قاعة المحاضرات للصلاة أو إيقاف استعارة الكتب بالمكتبات العامة وانتظار الباحثين حتى يعود الموظفون من أداء الصلاة أو الأذان في مجلس الشعب. فلا أحد يسمع ولا أحد يجيب. وبعد الانتخابات الأخيرة وتمكن التيار الإسلامي من الحصول على الأغلبية في البرلمان تحول الإحساس بالاضطهاد إلى إحساس بالنصر، ومركب الدونية إلى مركب العظمة. فقد حقق هدف إسقاط النظام السابق الذي اضطهده على مدى ستة عقود من الزمن في الجمهوريات الثلاث، الأولى في الخمسينيات والستينيات، والثانية في السبعينيات، والثالثة وهي الأطول في الثمانينيات والتسعينيات والعقد الأول القرن الحادي والعشرين حتى ثورة 25 يناير 2011 وسقوط النظام في 11 فبراير 2011. وحسناً فعل رئيس مجلس الشعب الذي ينتسب إلى نفس التيار بمنعه من الأذان في المجلس لأن هذا المكان ليس مكانه بل في المسجد في الخارج، وأن النائب المؤذن ليس أكثر إسلاماً من باقي النواب، وأنه لا داعي للمزايدة عليهم. وحسناً فعل النواب بقبول هذا الجدل بالحسنى دون صب الزيت على النار. وحسناً فعل النائب المؤذن بقبول اعتراض رئيس المجلس دون أن يستمر فيما يريد. كفاه الجدال وإثبات الذات. إن الجدل حول مصالح الناس وكيفية تحقيقها أفضل من الجدل حول الأذان في مجلس الشعب. فالدين لمصلحة الناس. ومن لم يحمل هم المسلمين فليس منهم. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. ولو عثرت بغلة في العراق لسئل عنها عمر لماذا لم يسوِّ لها الطريق.