الإحصاءات التي جاءت في تقرير "منظمة الصحة العالمية"، حول وباء التبغ العالمي لعام 2011 مؤخراً، تعكس بوضوح كيف أن التدخين أصبح يشكل ظاهرة مقلقة في دولة الإمارات، فقد أشار التقرير إلى أن "نسبة التدخين بين من هم دون 15 عاماً مرتفعة، حيث تصل إلى 30% سواء مَنْ يدخنون السجائر أو أي أنواع أخرى من منتجات التبغ، وأن نسبة التدخين بين الكبار في دولة الإمارات (15 سنة فأكثر) تبلغ 18%". لاشك في أن التدخين يعتبر إحدى الظواهر الخطرة، اجتماعيّاً وصحيّاً، بل إنه على حدّ وصف "منظمة الصحة العالمية" هو "آفة هذا العصر"، إذ يموت أكثر من 5 ملايين شخص سنويّاً بسبب أمراض ناتجة عن التدخين، وتتوقع المنظمة أن يرتفع عدد ‏الوفيات بسبب التدخين إلى 10 ملايين وفاة سنويّاً في عام 2020. إن تزايد معدلات التدخين في دولة الإمارات، بهذه الصورة المقلقة، أمر ينطوي على درجة كبيرة من الخطورة، خاصة بالنظر إلى العديد من الاعتبارات، أولها أن النسبة الكبيرة من المدخنين داخل الدولة تتركز في النشء والشباب، وهذا أمر له تأثيره السلبي في مستقبلهم الدراسي والمهني إضافة إلى الصحي. ثانيها العلاقة الوثيقة بين ظاهرة التدخين وتراجع الإنتاجية في مواقع العمل، إذ أثبتت الدراسات العلمية أن هناك علاقة بين التدخين والقدرة الإنتاجية، حيث لوحظ انخفاض إنتاجية المدخنين؛ لتأثيره السلبي في صحتهم وقدرتهم على العمل. ثالث الاعتبارات يتعلق بالتأثيرات السلبية لظاهرة التدخين على الصحة العامة لأفراد المجتمع، حيث يعتبر التدخين من الأسباب الرئيسية لمعظم الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب المختلفة والسرطان والجهاز التنفسي وحسب الإحصاءات الرسمية، فإن التدخين يعتبر من الأسباب الرئيسية لحالات الوفاة في الدولة، حيث تبلغ نسبة الوفاة بسبب سرطان الرئة، الذي يعدّ التدخين سبباً رئيسيّاً له (14%). رابعها، يتعلق بالتكلفة المالية والاقتصادية المرتفعة التي تتكبدها الدولة لعلاج الأمراض الناتجة عن انتشار ظاهرة التدخين، والتي كان يمكن توجيهها نحو الارتقاء بالرعاية الصحية في مجالات أخرى. هناك تحرك جاد من جانب الجهات المعنية في الدولة لمواجهة هذه الآفة المدمّرة، كحظر التدخين في الأماكن العامة، إضافة إلى التوجه إلى رفع الجمارك على التبغ وفرض ضريبة على منتجاته المختلفة، من أجل رفع تكلفة التدخين، وبالتالي الإسهام في الحدّ منه، لكن الآثار المدمرة المترتبة على هذه الظاهرة تتطلب أن تكون مواجهتها في إطار مجتمعي شامل، تشارك فيه كل الجهات والأطراف المعنية، بداية من الأسرة التي يتعيّـن عليها فرض رقابة على أبنائها، وتوجيههم بشكل متواصل حتى لا يقعوا في براثن التدخين، مروراً بمدارسنا، إذ ينبغي أن تكون هناك برامج وفعاليات مكثفة لتعزيز مكافحة التدخين والحدّ من انتشاره بل ومنعه تماماً في المدارس، ونهاية بوسائل الإعلام المختلفة التي يقع عليها العبء الأكبر في هذا الشأن، من خلال تنظيم برامج إعلامية هادفة توجه إلى النشء والشباب، تستهدف توعيتهم وتحذيرهم من الآثار الخطرة لهذه الآفة. إن التحرك الفاعل في مواجهة ظاهرة التدخين المتفاقمة، والتطبيق الصارم لكل إجراء من شأنه أن يحدّ منها أو يقلل خسائرها، أمران على درجة كبيرة من الأهمية، لأن الضرر الناتج عن هذه الآفة كبير وخطر، حيث يتعلق بالعنصر البشري الذي يمثل عماد التنمية وأساسها في الإمارات. ــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.