بدعوة من مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، أتيحت لي فرصة مشاركة صفوة من المسؤولين والمثقفين الخليجيين من أهل الفكر والاختصاص، المعنيين بشؤون الأمن الخليجي، في مؤتمر نوعي عن "الأمن الوطني والأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي... رؤية من الداخل"، بمملكة البحرين. ويأتي هذا المؤتمر في سياق تصاعد التهديدات للأمن الخليجي، سواء على مستوى الأمن الوطني الداخلي لكل دولة خليجية أو على مستوى الأمن الخليجي المشترك. هناك مخاطر وتهديدات خارجية متزايدة، وهناك تحديات داخلية متعددة. الخليج اليوم هو الواحة الآمنة المستقرة، التي أنعم الله عليها بنعم لا تحصى، يأتيها رزقها رغداً، وينعم أهلها بمباهج الطاقة وبأحدث منجزات الحضارة، لكن كل ما حولها مضطرب ومتأزم ومقلق: الجارة المسلمة على الضفة الأخرى لا تكف عن التهديد والاستفزاز، وكلما ضاق عليها الخناق الدولي بسبب برنامجها النووي، صعدت ضد دول الخليج، فيما جيرانها الخليجيون الناصحون المشفقون عليها يقولون لها: ما حاجتك للنووي وقد رزقك الله تعالى بكافة النعم والموارد والثروات؟! هناك ما حول الخليج الزلزال الذي أحدث اضطراباً في أوضاع بعض الدول العربية، وقد أنتج وصول إسلاميين أيديولوجيين للقيادة، ولا نعرف حقيقة توجهاتهم السياسية تجاه دول الخليج بعد أن يتمكنوا. وهناك أيضاً العراق الشقيق الواقع تحت رياح النفوذ الإيراني، وهي رياح متقلبة ومتغيرة ومؤثرة في الحكومة العراقية الحالية، وهناك أيضاً طارئ جديد يمثل تغيراً نوعياً، وهو تراجع ثقة شعوب دول الخليج بالدور الأميركي في المنطقة، هذا الحليف الاستراتيجي التاريخي الموثوق لدى الخليجيين على امتداد سبعة عقود، هذه الثقة الخليجية القوية، اهتزت في ظل قيادة أوباما والديمقراطيين لأميركا، وبخاصة مع موقفها الغامض والمضطرب من أحداث البحرين المؤسفة. هذا على مستوى التهديدات والمخاطر الخارجية، أما المهددات للأمن الوطني والإقليمي على المستوى الداخلي فلعل من أبرزها "التخندق الطائفي" في البحرين الذي اصطنعه ووظفه التدخل الخارجي في شؤون البحرين لحساب أجندته ومطامعه في المنطقة. البحرين تمثل واسطة العقد الثمينة في المنظومة الخليجية، وهي معرضة لرياح خارجية هوجاء، لذلك أتى هذا المؤتمر النوعي والمهم مستقطباً هذه النخبة الخليجية المسؤولة أمنياً وفكرياً في هذا الوقت العصيب وفي هذا المكان المهم، ليعزز الجهود الخليجية ويستنفر الطاقات وليحفز العقل الخليجي نحو بلورة مفهوم استراتيجي شامل للأمن الخليجي -داخلياً وإقليمياً- بحسب ما دعا إليه الدكتور محمد عبدالغفار مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية، والذي أضاف قائلاً: إن المتغيرات التي تمر بها المنطقة تؤكد أن الأمن الوطني لم يعد شأناً داخلياً، إذ إن أغلب مخاطر ومهددات الأمن الوطني قد أصبحت عابرة للحدود، مثل: التنظيمات المتطرفة، وأيديولوجيات التعصب التي تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي لدول مجلس التعاون والتي أصبح من الضرورة مواجهتها برؤية سياسية واستراتيجية شاملة تعالج متطلبات الإصلاح وتصون المجتمعات الخليجية من مخاطر التدخل الخارجي، لذلك فالحاجة ماسة إلى تحديد (مفهوم استراتيجي) شامل كما تفعل دول حلف شمال الأطلسي كل عشر سنوات، ومن ثم تطوير سياسات حقيقية للدفاع المشترك تكون قادرة على ردع التهديدات والعدوان الخارجي في إطار مظلة استراتيجية خليجية مستقلة واسعة. وإذ أتى هذا المؤتمر في أعقاب دعوة العاهل السعودي في افتتاح القمة الخليجية الثامنة والثلاثين، للانتقال من حقبة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، فقد أجمع الحضور على أن الاتحاد الخليجي أكبر ضمانة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وإذ أكد الأمير تركي الفيصل في كلمته هذا المعنى، فإنه أضاف -منبهاً- إلى بُعد تحصيني يُعد هو الأهم في التحديات الداخلية، عندما قال: "إن علينا لنكون آمنين في أوطاننا أن نحصن جبهتنا الداخلية بمزيد من الإصلاح، إصلاح الخلل البنيوي في اقتصاداتنا لتكون اقتصادات وطنية يجني ثمرة ازدهارها مواطنونا، وترسيخ مفهوم المواطنة كأساس لعلاقة المواطن بالدولة، وتوسيع دائرة المشاركة في نظمنا السياسية، وكل عمل يرقى بمجتمعاتنا". وكان المؤتمر قد افتتحه نائب رئيس مجلس الوزراء بكلمة جاء فيها: "إن المفهوم الاستراتيجي للأمن بشقيه يجب أن يكون نابعاً من الداخل ومنسجماً مع الفهم العميق لحاجات الدول والإقليم"، مشيراً إلى أن "الأمن الوطني لأي دولة خليجية هو مرتكز أساسي من مرتكزات الأمن الإقليمي لدول المجلس". أما الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور الزياني فقد طرح العديد من التساؤلات والتوضيحات حول خمسة أهداف استراتيجية رئيسية يسعى المجلس لتحقيقها، مضيفاً أن "هدفنا الاستراتيجي الأول هو تحصين دول التعاون ضد جميع المخاطر المتمثلة في التهديدات الدولية، مثل العدوان الخارجي والإرهاب والاضطرابات المدنية الداخلية والأنشطة الإجرامية العابرة للحدود، مؤكداً الحاجة إلى تعاون أشمل لدعم الأهداف الخمسة ومنها "تشجيع التنمية البشرية" و"زيادة النمو المستدام" و"تعزيز قدرات درع الجزيرة" و"إنشاء مركز خليجي لإدارة الطوارئ ومركز لرصد الإشعاعات النووية"، تحقيقاً لهدف الحيوية والقدرة على التعافي ولتعزيز مكانة دول المجلس دولياً. أما مفاجأة المؤتمر الكبرى فهي ورقة قائد عام شرطة دبي في حفل الافتتاح عندما قال: إن عندي 38 مهدداً للأمن الخليجي! إن المهدد الأول للأمن الخليجي: الدور الأميركي في المنطقة، موضحاً هذا الاضطراب والتذبذب الذي تتسم به سياسة أميركا في المنطقة، تحت شعار دعم حريات وحقوق الشعوب في الوقت الذي لم تعمل فيه شيئاً فيما يتعلق بحريات وحقوق الشعب الفلسطيني في دولة خاصة به، بل عمدت إلى وقف مساعداتها لليونسكو عقاباً لها على اعترافها بدولة فلسطين! وتطرق خلفان إلى المهددات الداخلية والخارجية للأمن فذكر منها: التدخلات الإيرانية في المنطقة، تأجيج النزاعات الطائفية، وعدم تجريم أفعال الكراهية، عدم سيادة القانون، والفساد، وضعف الانتماء، وفقدان الولاء، والبطالة، وتراجع التنمية... كما حذر من أن السنوات الخمس القادمة ستكون سنوات مخاض في الخليج، أمنياً وسياسياً. وكانت لي فرصة لمداخلة ذكرت فيها أن "ثقافة الكراهية" ممثلة في التعصب الطائفي والقبلي والغلو الديني الذي يقصي الآخر، هي من أخطر مهددات الأمن الداخلي الممزق للنسيج الاجتماعي، وأنه تجب مواجهتها بتطوير الخطاب الديني المعمق لثقافة التسامح بين أبناء المجتمع الواحد.