مع أني كنت دائماً من المحافظين، فقد اكتشفت لتوي، بعد سيل من الهجمات، أني لست محافظاً بما يكفي، لا لشيء إلا لأني محسوب على المؤسسة الرسمية للمحافظين التي غالباً ما تتعرض لانتقادات "المحافظين الحقيقيين" الأكثر تمسكاً بالمبادئ، كما يعتقدون! وهكذا وجدت نفسي على الجانب السيئ للمحافظين الذين ربما يكونون محافظين بالاسم فقط ، بعدما انتشرت عبارة "جمهوري بالاسم". فعلى مدار السنوات الماضية، ساد شعور طاغ لدى قاعدة الحزب الجمهوري بأن قادتهم، والوجوه البارزة في الحزب، تحولوا إلى شخصيات باهتة وضعيفة منشغلة عن الهموم الحقيقية للأميركيين بقضاياها الخاصة وحفلاتها المغلقة، حيث تجري الكؤوس وتُملأ البطون. وليس غريباً في ظل هذا التشكك الكبير تجاه المؤسسة الرسمية للحزب الجمهوري، أن يعاني رموزه من الانتقاد الشديد ويصبحوا مذمومين من القاعدة الحزبية. وفيما نجح أؤلئك الطهرانيون داخل الحزب، وهم الذين لا يقبلون التنازل في إطار التدافع السياسي مع القوى الأخرى على الساحة الأميركية، في تطهير الحزب من أنصاف الجمهوريين، كما يقولون، وتمكنت حركة "حفلة الشاي" في انتخابات التجديد النصفي للعام 2010 من إيصال مرشحيها إلى الكونجرس ومنافسة مرشحي المؤسسة الرسمية... فإنهم يواجهون اليوم صعوبات جمة في الانتخابات الرئاسية. ذلك أن هذه الأخيرة تعتمد على كتلة أكبر من الناخبين. بل الأهم من ذلك أنه، وخلافاً للانتخابات السابقة التي حقق فيها المحافظون بعض النجاح بفضل وجود مرشح واحد لحركة الشاي، نرى اليوم تعدداً في الأسماء الجمهورية التي تتبارى للظفر بتزكية أكثر المحافظين تشدداً وتتسابق على إبراز مؤهلاتها الأيديولوجية المحافظة. ولإبراز تلك المؤهلات، سعى كل مرشح طموح في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، إلى استخدام الورقة الشعبوية، ليس فقط من خلال التهجم على المؤسسة الإعلامية الليبرالية كما هو متوقع، بل من خلال انتقاد مؤسسة حزبهم الرسمية لأنها ليست بنفس القدر المطلوب من المحافظة. وهو فعلا ما سعى المرشح "هيرمان كين" إلى استغلاله عندما تكالبت عليه المحن وبدا أنه خارج من السباق لا محالة، قائلا: "أعتقد أن ما أتعرض له من تشهير هو محاولة مكشوفة لإسقاطي لأني لست مرشح المؤسسة الرسمية للحزب". هذه المشاعر المناهضة لمؤسسة الحزب الجمهوري الرسمية تعود في جزء كبير منها إلى الدور الذي لعبه، وإن كان بدون قصد، المرشح "ميت رومني" الذي أصبح مذموماً إلى درجة كبيرة لدى القاعدة الحزبية، وتحول إلى رمز لكل ما هو سيء داخل الحزب. والغريب أن "رومني" الذي ظهر في انتخابات عام 2008 على أنه إلى يمين المرشح الجمهوري الآخر "جون ماكين"، أصبح اليوم محط انتقاد لأنه ليس محافظاً بما يكفي وقريب من المؤسسة الرسمية للحزب، إلى درجة دفعت المعلق المحافظ الشهير "راش ليمبو" إلى القول في إحدى المحطات الإذاعية، بأن "إصرار الحزب الجمهوري على ترشيح رومني يثبت أن المؤسسة الرسمية لا تريد صعود مرشح محافظ إلى البيت الأبيض". ويبقى الملفت في هذه الصراعات الجانبية بين المحافظين داخل الحزب الجمهوري، أنها ما زالت مستمرة حتى بعد قطع أشواط مهمة في السباق الانتخابي وانخراط الديمقراطيين في حملة جدية ومنسقة لكسب الناخبين، وهو ما يثير العديد من الأسئلة حول قدرة المرشح الجمهوري، أياً كان، على منافسة أوباما وتقديم بديل يقنع الناخبين. جونا جولدبورج كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشيونال"