هل كان الأمر يستحق كل ذلك؟ لقد انتهت حرب العراق رسمياً، غير أن الكلفة من حيث الأرواح البشرية التي حصدتها، سواء الأميركية أو العراقية، كانت مرتفعة. وعلاوة على ذلك، فقد شكلت عبئاً مالياً على الخزينة الأميركية، مما ساهم بشكل كبير في العجز الذي تعانيه الميزانية الأميركية حالياً. لقد اندلعت شرارة الحرب نتيجة خوف من امتلاك العراق أسلحة نووية، حيث كانت عدد من وكالات الاستخبارات الأجنبية تحذر من أن نظام صدام حسين يمتلك، أو أنه بات قريباً من امتلاك، سلاح نووي، وهي الخلاصة نفسها التي انتهت إليها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه". وبعد القبض على صدام، توجه الملايين من العراقيين الفرحين والمبتهجين إلى مكاتب الاقتراع قصد المشاركة في انتخابات غير مزورة لأول مرة، ملوحين أمام كاميرات القنوات التلفزيونية بأصابعهم التي تخضبت بالحبر الأزرق، ومحتفين بحريتهم الجديدة. فهل كان ذلك يستحق التضحيات الأميركية؟ الأكيد أنه يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار كعامل أساسي. غير أن صدام حسين نفسه ساهم من حيث لا يدري في الفرضية عبر انخراطه في لعبة تضليل خطيرة، حيث كان يهمس بامتلاكه مثل هذه الأسلحة من أجل إخافة عدوته إيران وإقناعها بقوته، لدرجة أن حتى بعض جنرالاته كانوا يعتقدون ذلك، بينما كان يقدم للأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى تشعر بالقلق، تطمينات بعدم حيازته مثل هذه الأسلحة. لكن بوش الابن صدّق بأن تهديد العراق النووي حقيقي، فأعلن ضده الحرب. ورغم أن صدام حسين انخرط من قبل في برنامج نووي، فإنه لم يُعثر لهذا السلاح على وجود. ومع ذلك، يجدر بعائلات الأشخاص الذين قتلوا أو أصيبوا في الحرب أن يجدوا العزاء في هذا الإنجاز: قضاء الولايات المتحدة على واحد من أسوأ الحكام المستبدين منذ هتلر، حيث لم يتورع صدام عن قتل مئات الآلاف من أبناء شعبه لأسباب سياسية، كما قضى على آلاف أخرى من المسلمين في حربه مع إيران وغزوه للكويت. لكن الحرية هي الأساس والقاعدة التي تقوم عليها القيم الأميركية. والولايات المتحدة لديها تاريخ طويل من دعم الشعوب المقموعة والمضطهدة عبر العالم، حتى عندما لا يكون أمنها القومي مهدداً بشكل مباشر. فقد ضحى الأميركيون بأرواحهم في الحرب العالمية الثانية رغم أنه لم يكن ثمة تهديد ألماني حقيقي للتراب الأميركي. كما خاضوا حرباً مرة أخرى نيابة عن الكوريين الجنوبيين، رغم أن أي كتائب كورية شمالية لم تكن تقوم بإنزال على سواحل الولايات المتحدة. ووسط مشاعر التعب والملل من الحرب، والقلق بشأن حالة الاقتصاد الأميركي، يدور حالياً، وعلى نحو يمكن تفهمه، نقاشٌ في الولايات المتحدة بشأن ما إن كان ينبغي الإقدام على مغامرة عسكرية جديدة في الخارج. وهذا أمر محمود وينم عن حكمة وحصافة، غير أن ثمة مصلحة وطنية مشروعة في نمو وانتشار الحرية عبر العالم، وذلك على اعتبار أن الديكتاتوريات عادة ما تكون أكثر خطورة من الدول الديمقراطية التي تنعم بالاستقرار والرخاء. والواقع أن قصة عراق ما بعد الحرب ما زالت قيد التطور، ذلك أن العراق هو اليوم بلد شبه ديمقراطي يرأسه رئيس وزراء شيعي (نوري المالكي) ذو نزعة سلطوية. وهناك ثلاث طوائف رئيسية في البلاد -الشيعة والسنة والأكراد- إضافة إلى عدد من القبائل والعشائر. وسيكون الانسجام والتعاون بينهم أمراً ضرورياً وأساسياً. ومن غير الواضح الآن ما إن كانت الحكومة العراقية ستكون في الأخير حكومة مركزية قوية أم حكومة اتحادية تمنح حكماً ذاتياً كبيراً للمناطق والمحافظات. غير أن الاحتياجات الفورية للعراقيين هي الأمن والوظائف وتحسين الخدمات، مثل توفير إمدادات موثوقة ومستمرة من التيار الكهربائي. كما يحتاج العراقيون إلى عدم التدخل من إيران المجاورة. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن الحضور الدبلوماسي الأميركي الكبير في بغداد سيراقب الوضع عن كثب، علماً بأن القوات العسكرية الأميركية ليست بعيدة حيث توجد في البحرين والكويت. ورغم أن بعض الساسة الشيعة قد يتقاسمون قضية مشتركة مع إيران، إلا أنه من غير المرجح أن العراقيين الذين عانوا وتكبدوا الكثير من أجل الحصول على استقلال بلدهم وسيادته، سيتخلون عن ذلك لإيران. ومن الصعب معرفة الدور الذي لعبه أو سيلعبه إسقاط صدام حسين ومعانقة العراق للحرية في إيقاظ العالم لعربي وتشكيل حكومات جديدة في كل من تونس ومصر وليبيا، وربما في اليمن وسوريا عما قريب. غير أن الإجابة على ما إن كان الأمر يستحق التضحيات التي قدمتها الولايات المتحدة في العراق، يجب أن تنتظر ما سيقوله التاريخ وما سيحمله المستقبل من أحداث وتطورات. ومهما يكن، فعلى العراقيين أن يقدروا الديمقراطية في بلادهم ويعززوها بالقوة التي قاتل بها الأميركيون من أجل بلوغها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"