يكاد ينصب التركيز الأميركي عند الحديث عن أفغانستان والإشكالات المطروحة على مسألتين اثنتين هما: سحب أغلب القوات من هناك بحلول عام 2014، وخفض كلفة الحرب الباهظة، وهي أمور تكتسي أهمية كبرى. فمع نهاية السنة المالية لعام 2013 ستكون الولايات المتحدة قد أنفقت 560 مليار دولار على الحرب فيما تتجاوز الكلفة حالياً 110 مليارات دولار، لكن يبقى من السهل الحديث عن هذه الأهداف المتمثلة في سحب القوات وخفض النفقات من التخطيط الفعلي لمرحلة انتقالية تتحمل في نهايتها السلطة الأفغانية مسؤولية الأمن وتمويل عملياتها، والتعامل أيضاً مع الحقائق الاستراتيجية المحيطة بأفغانستان. وفي هذا السياق، يتعين على الولايات المتحدة التعاطي مع مجموعة من القضايا المعقدة التي تنطوي بدورها على خيارات لا أحد منها يبدو جاذباً، فأولًا تحتاج واشنطن إلى إعادة تقييم مصالحها الاستراتيجية في جنوب وشرق آسيا، وما إذا كان ذلك يستدعي استمرار الالتزام الأميركي بتقديم الدعم لأفغانستان وباكستان حتى بعد انسحاب أميركا من المنطقة. وبينما يؤيد البعض البقاء، مركزين على ضرورة تقديم الدعم لأفغانستان على مدى السنوات المقبلة، يجادل البعض الآخر بأن أفضل طريقة للانخراط في اللعبة الكبرى الجديدة بالمنطقة هي ترك القوى الإقليمية متمثلة في روسيا والصين وتركيا وإيران والهند وباقي دول آسيا الوسطى تتحمل مسؤوليتها. وبالنسبة للمدافعين عن هذه الفكرة لدى أميركا أولويات استراتيجية أكثر أهمية، بحيث سيكون لزاماً على القوى الإقليمية لعب دورها وتحمل جزء من المسؤولية. لكن مهما اختلفت الآراء بين المكوث في أفغانستان، أو مغادرتها، فإن ما يهمنا في هذه المرحلة هو إسراع أميركا بتحديد استراتيجية كبرى للمنطقة والبدء في تطبيقها بدل التركيز فقط على المرحلة الانتقالية. والقضية الثانية التي يتعين على المسؤولين الأميركيين إدراكها هي أن مفتاح الحرب لا يكمن في أفغانستان بقدر ما يكمن في باكستان، فرغم خطوة عدم الاستقرار في أفغانستان تبقى نقطة الارتكاز الاستراتيجية في باكستان، البلد النووي الذي يشكل ملاذاً آمنا لتنظيمات إرهابية مثل "القاعدة" و"طالبان" وغيرها. وبصرف النظر عن الخطاب التطميني بشأن باكستان، لا بد من الاعتراف باستمرار تدهور العلاقات الأميركية- الباكستانية وتردي الوضع الأمني داخل البلاد. ومرة أخرى سواء كان الرأي البقاء في أفغانستان وتقديم الدعم لباكستان باعتباره السبيل الأمثل للدفاع عن مصالحنا وتعزيز الاستقرار، أو الخروج من أفغانستان لما يشكله وجودنا من عدم استقرار في باكستان، يبقى الأهم بالنسبة لواشنطن اتخاذ قرارات حاسمة تنبع من استراتيجية كبرى للمنطقة. أما القضية الثالثة في أفغانستان فتتمثل في الحاجة الملحة للتحلي بالصدق مع أنفسنا وعدم تسطيح الصعوبات التي نواجهها لإنجاح المرحلة الانتقالية، فضلا عن توسل الصراحة في الدور المتوقع من الولايات المتحدة بعد 2014 في أفغانستان فيما لو قررنا البقاء، فرغم إحرازنا لانتصارات مهمة ضد "طالبان" في الجنوب واستهداف كوادر كبيرة في "طالبان" و"القاعدة"، فإنه ليس واضحاً ما إذا كانت تلك الانتصارات تكفي لمنع عودة "طالبان" بعد 2014، وما إذا كانت الحكومة الأفغانية قادرة على الحفاظ على المناطق المحررة وبناء إدارة مدنية فعالة تستند إلى سيادة القانون واقتصاد حقيقي. وكما أثبت الأحداث الأخيرة في أفغانستان، يشن المتمردون هجمات انتحارية واغتيالات مستمرة، فضلا عن عمليات أخرى لتخويف الشعب الأفغاني من جهة وضرب التأييد الأميركي والغربي للحرب من جهة أخرى، والأكثر من ذلك ما زالت حكومة كرزاي بعيدة عن الفاعلية والاستقرار السياسي في وقت ستخوض فيه أفغانستان انتخابات رئاسية خلال السنة التي سنغادر فيها البلاد، وحتى لو سلمنا بحقيقة إحرازنا لمكاسب تكتيكية. ولهذا كله تحتاج أميركي إلى نقاش صريح حول جميع القضايا المطروحة، وما إذا كانت هناك فرصة حقيقة وذات مصداقية لإجبار "طالبان" على الانخراط في تسوية سياسية، فمحاولات التضليل والخطاب التطميني للحكومة الأميركية، أو الانتقادات الإعلامية لن تمثل بديلاً عن الشفافية المطلوبة لإجراء تقييم واقعي لاحتمالات تحقيق النصر في أفغانستان. وأخيراً وفي حال قررنا البقاء في أفغانستان بعد عام 2014 يجب إدراك أن الحكومة الأفغانية ستحتاج عقداً كاملاً من المساعدات لإنعاش الاقتصاد الذي لا شك أنه سيعاني كساداً كبيراً إذا ما خفض الدعم المالي الأميركي والخارجي، لا سيما وأن هذا الدعم القادم من الخارج يفوق بحوالي 14 مرة ما تحصله الحكومة من مداخيل ذاتية، فيما يتجاوز الدعم العسكري الأميركي 30 مرة ما تنفقه الحكومة الأفغانية على جيشها. وإذا ما قررنا البقاء وصممنا على تحقيق أي نصر حقيقي فإننا نحتاج إلى خطة انتقالية فعالة تشمل إبقاء مستشارين مدنيين وعسكريين وإقرار برنامج مساعدات طويل الأمد، ذلك أنه حتى لو استطاعت الحكومة الأفغانية الاضطلاع بالجزء الأكبر من المسؤولية الأمنية بعد 2014 إلا أن البلاد لن تكون قادرة على البقاء والاستمرار دون دعم أميركي متواصل حتى بعد 2020، والأكثر من ذلك تحتاج أفغانستان إلى مساعدة خارجية لتطوير القدرات الحكومية، وخلق جهاز تشريعي قادر على تحمل الأعباء والتعاطي مع مختلف القضايا السياسية إذا ما أردنا لانتخابات 2014 أن تكتسي بعض المصداقية وتدشن لمرحلة ما بعد كرزاي، هذه الاشتراطات ستستدعي على الأرجح بقاء أميركا مدنياً وعسكرياً إلى أجل غير محدود في المستقبل مع تدفق سنوي للمساعدات تتراوح قيمتها بين ثمانية إلى عشرة مليارات دولار. أنتوني كوردسمان باحث بارز بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"