تتعرض السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لأزمة في الوقت الراهن عندما تجد أن أهم حليفين لها في تلك المنطقة - تركيا وإسرائيل - يسيران نحو الصدام. وأهمية تركيا للولايات المتحدة معروفة: فهي عضو في "الناتو"، كما أن قواتها تشارك في جهد الحلفاء في أفغانستان، وترتبط بروابط اقتصادية قوية مع شمال العراق، وتواصل التعاون في الحرب على الإرهاب، بالإضافة لدورها الأخير كمقر لصواريخ الدرع الدفاعي لـ"الناتو". وقد قام رئيس الوزراء التركي بتوسيع نطاق المواجهة مع إسرائيل إلى ما وراء حادث أسطول الإغاثة التركي الذي كان متوجها لميناء غزة لفك الحصار المفروض على القطاع، وذلك من خلال تحويل الموقف التركي من مجرد خلاف مع إسرائيل، إلى مواجهة شاملة مع المواقف الإسرائيلية في المنطقة. وفي هذا الإطار أعلن أردوغان مؤخراً أن البحرية التركية سترافق من الآن فصاعداً السفن التركية المتوجهة لغزة لتقديم المساعدة. كثيرون في أميركا يعتبرون ذلك تحدياً مباشراً من جانب رئيس الوزراء التركي، لحليف أميركي رئيسي في الشرق الأوسط، وعلى أوباما إدراك أن الوضع وصل لمرحلة الأزمة خصوصاً بعد أن ازداد المناخ السياسي في كل من واشنطن وأنقرة توتراً، مما جعل من الصعب على الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء التركي أن يتوصلا لتسوية حول الأمور الخلافية. وتشير كافة الدلائل أن أردوغان لم يعد مهتما بإصلاح العلاقة مع إسرائيل، بعد أن رفضت الاعتذار عن قتل الناشطين الأتراك التسعة على ظهر سفينة الإغاثة التركية "مافي مرمرة". وأردوغان يرى أن بلاده باعتبارها عضواً في "الناتو"، ومرشحاً محتملاً للانضمام للاتحاد الأوروبي، وصاحبة الاقتصاد الذي يأتي في المرتبة السادسة عشرة على مستوى العالم، قادرة على التحرك في الشرق الأوسط بطريقة لا تستطيعها أي دولة إقليمية أخرى. وفي هذا السياق حقق"أردوغان" زيادات ضخمة في استثمارات بلاده وتجارتها مع دول المنطقة، ونجح في الابتعاد عن النظامين السوري والليبي اللذين كان يرتبط بهما بروابط وثيقة، كما حقق شعبية كبيرة في الشارع العربي تبدت خلال زيارته الأخيرة إلى دول "الربيع العربي" مصر وتونس وليبيا، وهي شعبية يراها الكثيرون شبيهة بتلك التي حققها الزعيم التاريخي للأمة العربية جمال عبد الناصر. الآن تجد واشنطن نفسها عالقة في المنتصف بين حليفين قديمين من حلفائها بالمنطقة. والوقوف عاجزة، ليس خياراً من الخيارات المتاحة أمام واشنطن، خصوصاً أنه من المتوقع أن تصبح إسرائيل، وعلاقتها بالولايات المتحدة موضوعاً ذا أهمية كبيرة في حملة الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجري عام 2012. لذلك كله سيكون اجتماع أوباما مع أردوغان يوم الثلاثاء حاسماً. ويمكن لأوباما أن يتخذ عدداً من الخطوات المهمة. القيام فوراً بحشد الأسطول الأميركي السادس في شرق البحر المتوسط كي يظهر أن الولايات المتحدة لن تقبل بحدوث مواجهة بحرية من أي نوع بين حليفيها الرئيسيين. وأن يبين لأردوغان بوضوح أن سياساته الحالية تقوض الاستقرار الإقليمي، وأن يعلن أنه على استعداد للعمل مع كل من تركيا وإسرائيل لإنهاء الحصار على غزة على اعتبار أن مثل هذا الموقف سيحظى بمساندة دولية واسعة النطاق، ويعطي لكل طرف من الطرفين المتنازعين شيئاً مما يريده. مورتون أبراموفتيز سفير سابق للولايات المتحدة لدى تركيا هنري جيه. باركي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "ليهاي" ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"