بعد انقضاء عشر سنوات على بدء الحرب على الإرهاب، نجحت الولايات المتحدة إلى حد كبير في محاولاتها الرامية لتقويض تنظيم "القاعدة" وقتل ابن لادن، لكن ذلك تم بأكلاف باهظة للغاية. وعلاوة على ذلك نجد أن قراراتنا الخاصة بكيفية تمويل تلك الأكلاف، قد ساهمت إلى حد كبير في إلحاق أضرار فادحة بالاقتصاد الأميركي، لا يزال حتى لحظتنا الحالية يدفع ثمنها. ومما يبعث على الأسى أن العديد من نفقات تلك الحرب لم تكن ضرورية، كما أثبتت ذلك تحقيقات حديثة أجريت في الكونجرس تبين منها أن دولاراً واحداً على الأقل من بين كل أربعة دولارات أنفقتها الولايات المتحدة على مقاولي الحرب قد أنفق دون ضرورة حقيقية. وعندما نعرف أن مجموع النفقات الأميركية على حربي العراق وأفغانستان حتى تاريخه، قد بلغ 2.5 تريليون دولار، فالسؤال المنطقي الذي لابد أن يرد على أذهاننا فوراً هو: كيف تم توفير هذا المبلغ الهائل؟ الإجابة باختصار أننا وفرناه من خلال الاقتراض. ومما زاد الطين بلة أن إدارة بوش لم تكتف بالعبء الباهظ الذي كانت تمثله أكلاف حربي العراق وأفغانستان، والتي تشكل ما يقدر بربع الزيادة في حجم الدين الأميركي منذ عام 2001 وحتى الآن، بل قامت بالدفع من أجل تنفيذ استقطاعات ضريبية مرتين، مرة في 2001 وأخرى في 2003، ما فاقم من حجم الدين العام. وهذا المزيج السام من الزيادة الهائلة في الإنفاق والنقص الهائل في الإيرادات (نتيجة للاستقطاعات الضريبية) هو الذي أوصل البلاد إلى محنتها الاقتصادية، ومأزقها السياسي الحاليين. وفقاً للخبراء العسكريين والماليين فإنه حتى لو كنا سنغادر أفغانستان والعراق غداً، فإن دين الحرب سوف يستمر في الزيادة لعقود قادمة. وسوف تشمل فواتير المستقبل بنوداً مثل أكلاف العناية بقدامى المحاربين، واستبدال المعدات العسكرية، وإعادة بناء القوات المسلحة، ودفع الفوائد على الأموال التي اقترضناها... وهي أكلاف ليست بالقليلة بحال، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة برعاية المحاربين القدامي التي أثبتت التجارب التاريخية أنها تستمر في التزايد لعقود بعد انتهاء الحرب. وحالياً نجد أن العجوزات الهائلة الناتجة عن الحرب هي التي تحدد شكل السجال الاقتصادي الدائر، وهي التي يمكن أن تحول بين الكونجرس وبين تفعيل حزمة تحفيز اقتصادي أخرى من خلال التوسع في الإنفاق بهدف الخروج من التوعك الاقتصادي الحالي. ولا شك أن هذا الإرث من الضعف الاقتصادي وتآكل مصداقيتنا العسكرية و"قوتنا الناعمة" -كنتيجة حتمية للطريقة التي استجبنا بها لهجمات 11 سبتمبر- هي التي قوضت، عوضاً عن أن تقوي، أمننا القومي. إن تكلفة الحرب على الإرهابيين كانت أعلى بكثير مما كانت تستدعيه الحاجة. ومن هنا يجب على الولايات المتحدة ألا تعرض نفسها لمزيد من ديون الحرب من دون أن تفهم أولاً الأكلاف الحقيقية التي ستترتب على الاستمرار في السير على هذا الدرب. جوزيف إي. ستيجليتز أستاذ بجامعة كولومبيا، وحاصل على جائزة "نوبل" في الاقتصاد ليندا جيه.بيلمس عضو هيئة التدريس بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. انترناشيونال"