في الحقيقة شهد العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الـ21 صورة واضحة تماماً للهيمنة الاقتصادية الأميركية على النظام الاقتصادي العالمي، ومن ثم التأثير الواضح لهذه الهيمنة في تشكيل النظام الاقتصادي العالمي الجديد. ولقد لعبت المتغيرات والمستجدات الدولية دوراً كبيراً في بروز الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى مهيمنة لا تجرؤ أية دولة أو كيان إقليمي على تحديها ومنافستها على مكانتها العالمية حتى سمي النظام العالمي بنظام القطب الواحد. ومن أبرز تلك الظروف انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي وانشغاله بمشاكله الداخلية، وانتهاء الحرب الباردة، والتوجه نحو عولمة فلسفة النظام الرأسمالي وعقيدته اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، وتحديد وتأطير شكل وهيكل الاقتصاد العالمي تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، والتي في الحقيقة لا تكتفي بتنظيم التجارة العالمية، بل تتعداها إلى تنظيم كافة شؤون الاقتصاد العالمي بالصورة التي ترضي الدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية كما يوضح ذلك نظامها وممارساتها، وبروز الكيانات الاقتصادية الإقليمية ونموها وتطورها، وبروز حركة الخصخصة والإصلاحات الاقتصادية الهيكلية على نطاق واسع في كافة دول العالم تكيفاً مع النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين برزت بعض الأحداث والمتغيرات الدولية الكبيرة والمؤثرة إلا أن تأثير المتغيرات السابقة ما زال موجوداً ومهيمنا ومستمراً. بل إنه يعتبر الأساس الذي من الممكن أن تبنى عليه أية تغيرات اقتصادية سواءً أكانت تغيرات هيكلية أساسية أو تغيرات فرعية إصلاحية. ومن أبرز الأحداث التي شهدها العالم في بداية القرن الـ21 أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تبعها من حروب وتداعيات. وكانت تلك الأحداث في الحقيقة حرباً اقتصادية حيث استخدمت فيها القوة الاقتصادية والسلاح الاقتصادي بصورةٍ لم يشهدها العالم من قبل. وها هو العالم اليوم يشهد تأثيراتها الاقتصادية باستمرار حالة الركود في الولايات المتحدة الأميركية والدول الصناعية الكبرى. ولا أدل على ذلك من تدهور معدلات الفوائد المصرفية إلى أدنى مستوياتها. ثم تبعتها الحرب على أفغانستان ثم الحرب على العراق، وما يشهده العالم اليوم من حرب مستمرة على ما يسمى بالإرهاب والمشاريع المستجدة لحل قضية الشرق الأوسط، والتي تدور كلها تحت فلك الهيمنة الأميركية.
ولو ألقينا نظرةً إلى معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقية في الدول الصناعية كما نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سنجد أن معدلات نمو الناتج الحلي في الولايات المتحدة الأميركية كان في عام 2001 حوالي 0.3. ثم في عام 2002 حوالي 2.4. ثم في عام 2003 حوالي 2.5. و في عام 2004 حوالي 4. وفي اليابان عام 2001 حوالي 4.2. وفي عام 2002 حوالي 0.3. وفي عام 2003 حوالي 1. وفي عام 2004 حوالي 1.1.
أما معدل النمو في الاتحاد الأوروبي عام 2001 فبلغ حوالي 1.6. وفي عام 2002 حوالي 1. وفي عام 2003 حوالي 1.2. وفي عام 2004 حوالي 2.4. وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مجتمعة في عام 2001 حوالي 0.8. وفي عام 2002 حوالي 1.8. وفي عام 2003 حوالي 1.9. وفي عام 2004 حوالي 3.
وفي الحقيقة يبدو واضحاً تماماً تأثير المتغيرات والمستجدات الدولية على معدلات نمو اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى والجهود التي تبذل من أجل تجاوز حالة الركود الذي شهدته تلك الاقتصاديات والذي أدى إلى تفاقم حجم المشاكل الاقتصادية من بطالة وتضخم نقدي وعجز في الموازنات العامة وعجز في موازين المدفوعات وغيرها. إلا أن الدول الصناعية ما زالت متفائلة جداً من انتعاش الاقتصاد العالمي وخروجه من حالة الركود الاقتصادي. فهل يظل العالم يسير باتجاه سيطرة القطب الواحد على النظام الاقتصادي العالمي أم أن هذه الأحداث والمتغيرات والمستجدات كفيلة بتغيير التوجه العالمي إلى بروز عدة أقطاب في النظام الاقتصادي العالمي الجديد؟ ولو نظرنا إلى الوزن الاقتصادي الأميركي عالمياً اليوم سوف نجد أن الولايات المتحدة الأميركية هي القطب العالمي الوحيد الذي لا ينافسه قطب آخر (لا كدولة ولا ككيان إقليمي) عالمياً بالمعايير الاقتصادية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية والسياسية والعلمية، حيث تبلغ مساحة الولايات المتحدة الأميركية 9.4 مليون كيلومتر مربع وهي ما تعادل 6.5% من مساحة العالم وتمتد في أقاليم مناخية وطبوغرافية مختلفة، ويبلغ عدد سكانها حوالي 300 مليون نسمة أي حوالي 5% من عدد سكان العالم. ويبلغ الناتج القومي فيها حوالي 8 تريليون دولار سنوياً، أي حوالي 28% من الناتج القومي العالمي، ويصل إجمالي الإنفاق العسكري فيها حوالي 300 مليار دولار سنوياً وهو ما يعادل حوالي 29% من إجمالي الإنفاق العسكري عالمياً. ويفوق عدد القوات المسلحة النظامية فيها 2.5 مليون جندي وهو ما يعادل حوالي 8% من إجمالي الجنود عالمياً. إضافةً إلى التفوق العسكري المنقطع النظير بكافة الم