الديمقراطية ... والاحتجاجات!
العمل على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن في أي مكان في العالم، والتجاوب مع تطلعات الشعوب وتنمية حياتهم، هو سر الاستقرار والهدوء في أي دولة، مهما اختلف نوع نظام الحكم فيها. بعد أن هدأت الأمور في بريطانيا اتفق أغلب المراقبين على أن العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والأمن والأمان هما الأساس في علاقة المواطن بالحكومة. وما عداها من أمور هي مسائل تكميلية بما فيها "الانتخابات بمواصفات عالمية". هذا الذي أثبتته الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت العديد من دول العالم، آخرها في بريطانيا العظمى.
وبنظرة سريعة على حركات الاحتجاج التي قامت في الدول العربية مع بداية هذا العام وتبعتها دول أخرى بعضها دول أوروبا الغربية، نجد أن الشعوب تناضل من أجل استرداد حقوقها الاجتماعية؛ التي تضررت نتيجة سياسات التقشف التي اتبعتها حكوماتها بعد الأزمة المالية العالمية. فتلك السياسات زادت الأغنياء ثراءً والفقراء فقراً، وتآكلت الطبقة الوسطى. وبالتالي زادت معدلات البطالة وقلت مداخيل الفرد، وفقد الناس وظائفهم فانتشر الفساد، وزادت عمليات النهب والسرقة، وضاع الأمن الفردي والمجتمعي. ولعل استمرارية الاحتجاجات في الدول العربية التي استطاعت أن تغير أنظمة الحكم فيها سببها أن مطالب الجماهير الأساسية، التي ثارت من أجلها لم تتحقق بعد؛ فالفساد لا يزال موجوداً والعدالة الاجتماعية لم تتحقق بعد، والبطالة لم تجد لها طريقاً للحل.
ما ينطبق على المواطن في الدول العربية، ينطبق كذلك على أي إنسان في العالم حتى الإنسان البريطاني والأميركي والفرنسي الذين يتمتعون بالمشاركة السياسية وبحرية التعبير. وليس مهماً بالنسبة لهذا الإنسان طبيعة النظام الاقتصادي، الذي يمكن أن يلبي احتياجاته، إن كان رأسمالياً أو اشتراكياً أو إسلامياً. والحديث في السياسة بالنسبة للإنسان هو وسيلة لتحقيق مطالبه، وإذا تحققت، فإن الحديث فيها يعد نوعاً من الرفاهية الفكرية فقط.
هذه النقطة تعتبر مهمة لتذكير السياسيين في الدول العربية الذين يستعدون ليكونوا رؤساء في دولهم أو ممثلين للشعب من خلال الانتخابات. وهي مهمة أيضاً للمثقفين في الخليج الذين اعتادوا استغلال الفرص وركوب الموجة ورفع المطالب السياسية والمقارنة بين دولنا وبين الغرب دون التمييز بين وضع الناس في تلك الدول والوضع في دولنا.
حرية التعبير لم تشفع لبريطانيا ولا ديمقراطيتها العريقة - التي لا يجوز لأحد أن يشكك فيها- في الحيلولة دون حدوث الاحتجاجات، ولم تمنع الإسرائيليين الذين يدّعون أنهم الديمقراطيون الوحيدون في المنطقة من احتجاجات شعبية عارمة والاصطدام بالأجهزة الأمنية فيها وانتشار عمليات سرقة ونهب، ولم تحمِ الحكومات المنتخبة في إسبانيا ولا اليونان من الفوضى وحالات العنف ضد الحكومة بمجرد أنها منتخبة وفق النظم العالمية.
السر في حالة الاستقرار، هو الحفاظ على كرامة الإنسان وتوفير العيش الكريم له، ومن لا يريد أن يستوعب هذا الكلام على بساطته فهو واهم. الناس في أي مكان في العالم تريد أن تعيش بكرامة وأمن ومستقبل! وللتأكيد على هذه النقطة، أمامنا تركيا ونجاحات حزب" العدالة والتنمية" فيها عندما استطاع تلبية احتياجات الشعب التركي، فضمن أن يستمر في الحكم لأكثر من ثلاث فترات متتالية، ولا يزال يحقق نجاحات سياسية داخلية وخارجية، وكذلك الأمر بالنسبة للبرازيل.
هذه التجارب مهمة لتذكير النخب التي اعتادت تناسي ما تقدمه الدول الراعية لشعوبها والوقوف على احتياجاتها الأساسية، والتركيز فقط على إثارة المطالب السياسية، والاستقواء بالمنظمات الخارجية، رغم أن الهدف من كل تلك المنافذ، هو الحفاظ على كرامة الإنسان وحريته، وهو أمر أجزم بأننا لا نعانيه في الإمارات.
محمد خلفان الصوافي
sowafi@hotmail.com