يتضور الناس جوعاً في مختلف أنحاء القرن الأفريقي حالياً، حيث تضافر مزيج من الصراعات، والجفاف، وارتفاع الأسعار... لجعل حوالي 11 مليون إنسان بحاجة ماسة للطعام. والأمم المتحدة تدق جرس الإنذار منذ شهور، لكنها كانت حريصة على عدم استخدام كلمة "المجاعة"، بيد أننا اضطررنا الأربعاء الماضي للاعتراف بهذه الحقيقة، وهي أن هناك مجاعة في بعض أجزاء الصومال، وأنها تتطور. وهذا في الحقيقة جرس إنذار لا يمكننا تجاهله، خصوصاً وأني أستمع يومياً إلى تقارير مؤلمة تقدمها فرق الأمم المتحدة العاملة على الأرض، حول لاجئين صوماليين وماشيتهم يموتون عطشاً، أو يمشون لأسابيع كي يجدوا المساعدة في كينيا أو إثيوبيا... وحول أطفال يصلون بمفردهم خائفين جائعين، إلى أرض أجنبية، بعد أن فقدوا ذويهم في الطريق. من داخل الصومال ذاتها نسمع قصصاً مفزعة عن عائلات تقف عاجزة وهي تشاهد أطفالها يموتون الواحد بعد الآخر. ومن يصلون إلى معسكرات الإغاثة يدركون غالباً أنه ليس ثمة أمل. فكثير منهم يكون عند وصوله في حالة من الضعف والهزال الشديد، وقد يموت قبل أن يلقى العناية اللازمة، وهي نادرة. ولنا أن نتخيل الألم الذي يشعر به الأطباء وهم يرون مرضاهم يموتون بسبب الافتقار إلى الإمكانيات. وكأسرة بشرية، تمزق هذه القصص نياط قلوبنا، نتساءل: كيف تتكرر هذه المآسي، وهناك كميات كافية من الغذاء في هذا العالم؟ صحيح أن العالم يمر بظروف صعبة، لكن منذ القدم، وفي أحلك الظروف، كان الناس يمتلكون مشاعر تدفعهم للتعاطف مع إخوانهم في البشرية. هذا تحديداً ما يجعلني اليوم أطالب بتركيز الاهتمام العالمي على هذه الأزمة، وبدق أجراس الخطر، وتوجيه النداء لشعوب العالم لمساعدة الصومال في الظرف العصيب الذي يمر به، وإنقاذ حياة بشر معرضين لخطر الموت. ولمواجهة هذا الوضع، نحتاج حوالي 1.6 مليار دولار في صورة مساعدات، لكن المانحين الدوليين لم يتبرعوا سوى بنصف هذا المبلغ. ولكي نمنح الأمل للناس ينبغي العمل على حشد الجهود في كل مكان من العالم. إني أتوجه بالنداء لكل إنسان على ظهر المعمورة، وأناشد جميع الدول أن ترتفع لمستوى التحدي. اليوم، 25 يوليو، ستجتمع وكالات الأمم المتحدة في روما لتنسيق استجابتنا لهذه الظروف الطارئة ولجمع الأموال اللازمة لتقديم المساعدات. ويجب على كل منا أن يتساءل: كيف يمكنني تقديم مساعدة؟ إن تقديم العون هنا قد يعني التبرعات الشخصية كما حدث في حالات إنسانية طارئة من قبل؛ في إندونيسيا بعد التسونامي، وفي هايتي بعد زلزالها الأخير. والوضع الصومالي يتصف بصعوبة خاصة، ترجع للصراع المندلع هناك، والذي يعقد أي إجراء للإغاثة، كما تأتي الأزمة في وقت ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً، وهو ما يثقل ميزانية الوكالات الدولية والمؤسسات غير الحكومية. وهناك أسباب أخرى تعقد الوضع، منها أن الحكومة الانتقالية في الصومال لا تسيطر سوى على جزء من العاصمة مقديشو، وهو ما جعلنا مضطرين لإبرام اتفاقية مع ميلشيا "شباب المجاهدين" الإسلامية لمنح وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية فرصة الوصول إلى المناطق الخاضعة لها. ينبغي الاعتراف أيضاً بأن كينيا وإثيوبيا كانتا من الكرم بحيث فتحتا حدودهما ومواجهة التحديات المترتبة عن ذلك. فأكبر معسكر للاجئين في العالم، وهو معسكر "داداب" في كينيا، بات يواجه أوضاعاً خطرة بعد أن تدفقت عليه أعداد من اللاجئين بلغت 380 ألف لاجئ، وهو ما يفوق طاقته الاستيعابية بكثير. وفي إثيوبيا المجاورة يتدفق إلى معسكر "دولو" حوالي 2000 لاجئ يومياً، ما يشكل عبئاً على دولة تكافح للتكيف مع هذا الوضع. والمشكلة أن هذا التدفق الكبير من اللاجئين يفاقم من مشكلة الغذاء بالنسبة لعدة ملايين إنسان في كينيا وإثيوبيا. وفي جيبوتي وإريتريا المجاورتين هناك عشرات الآلاف من الناس المحتاجين للغذاء، وقد يكون العدد أكبر من ذلك بكثير. وفيما نحاول الاستجابة لهذه الأزمة، نجد أنفسنا بحاجة لإيجاد طرائق للتعامل مع الأسباب الكامنة وراءها. فالجفاف الحالي يعد الأسوأ منذ عقود، لكنه، ونظراً لآثار التغير المناخي، لن يكون الأخير بالتأكيد. وهذا يتطلب منا اتباع إجراءات عملية، مثل استخدام بذور مقاومة للجفاف، ووسائل ري أخرى، وبنية أساسية زراعية مناسبة، وبرامج جديدة لتنمية الماشية. وقبل كل شيء نحتاج إلى السلام. فطالما ظل هناك صراع في الصومال فلن نستطيع محاربة المجاعة بكفاءة، وستتعرض أعداد متزايدة من الأطفال لغائلة الجوع، وسيلقى المزيد من الناس حتفهم، وستتسع دائرة العنف الدموي وتزداد خطورة على الدوام. في الصومال قالت لنا امرأة تدعى حليمة عمر: "ربما يكون ذلك قدر قد كتب علينا، وربما تحدث معجزة تنقذنا من هذا الكابوس". لكني لا أستطيع القبول بأن ذلك قدرها، وأرى أننا معاً يجب أن نعمل لإنقاذها وبني وطنها وكل أطفالهم من كابوس رهيب حقاً. بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "أم. سي. تي. إنترناشيونال"