عما قريب سوف تنسحب القوات الأميركية وقوات "الناتو" من أفغانستان، وهو ما يجعل شعبها يتساءل عن مدى قدرة الجيش الأفغاني على توفير الأمن بمفرده في البلاد. وليس هذا هو التساؤل الوحيد، فهناك تساؤل آخر: هل سيكون الاقتصاد الأفغاني قادراً على توفير احتياجات البلاد؟ بدون اقتصاد قادر، هناك احتمال ضئيل أن تكون أفغانستان قادرة على دفع تكاليف أمنها، كما سيكون هناك أمل قليل في حصول حكومتها على الشرعية، كما لن تكون أمامها سوى فرصة محدودة لخلق ظروف مواتية تتيح لمواجهة التمرد. والاقتصاد الأفغاني معرض لخطر "المضاعف السلبي"، ويعني السحب من الأرصدة المتاحة مما يسرع من حدوث تباطؤ فجائي. ومعلوم أن أفغانستان قد شهدت نمواً تجاوز 10 في المئة سنوياً خلال السنوات الخمس الماضية. لكن هذا الأداء كان يرجع في الحقيقة إلى التدفقات المالية متمثلة في المساعدات الخارجية (15.4 مليار دولار من 2010 ـ2011) والإنفاق العسكري للقوات الأجنبية في البلاد (100 مليار دولار خلال نفس الفترة)، بينما يقدر الناتج المحلي الإجمالي بـ16.3 مليار دولار. وعندما تنسحب القوات الأجنبية فإن الدعم سوف يتقلص، ما سيؤثر حتما على الاقتصاد نظراً لأن الاستهلاك الفردي مرتبط بالمساعدات من ناحية، وبالإنفاق العسكري من جهة ثانية. ومن المعروف أن أفغانستان دولة فقيرة ليست لديها القدرة على تحقيق انقلاب اقتصادي، لاسيما إذا أخذنا في الحسبان ما تواجهه من تحديات أمنية متعاظمة. فهي تقبع في نهاية سلم النمو الاقتصادي العالمي حيث تحتل المرتبة 155 على مؤشر الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية لعام 2010 عن أدائها في مجالات الصحة والتعليم وغيرها من المجالات. وتقلص الإنفاق العسكري والمساعدات الخارجية، سوف يؤثر بوجه خاص على مجالي الإنشاءات والخدمات. وعلى شركاء أفغانستان أن يتوقعوا الآثار الناجمة عن تقلص الإنفاق، لتخفيف الضربة التي ستلحق بأفغانستان. وإذا ما أخذنا في الحسبان الميزانيات المقيدة، فسندرك أن أفغانستان ستحتاج لمساعدات أكثر كفاءة، مقرونة بآليات تسليم مجربة ومثبَته للتأكد من أن كل دولار سيذهب إلى مكانه الصحيح. الآلية الأولى: أن تبذل الجيوش والمانحون المزيد من الجهد لزيادة الإنفاق داخل أفغانستان. ففي الأعوام الماضية كان الجزء الأكبر من المساعدات ينفق خارج البلاد ولم تستفد منه أفغانستان الشيء الكثير. وإنفاق المزيد داخل أفغانستان سيضمن استخدام المقاولين المحليين، وتشغيل مزيد من الأفغان العاطلين. الآلية الثانية: أن يمر الجزء الأكبر من المعونات عبر الحكومة الأفغانية ذاتها، خصوصا إذا أخذنا في اعتبارنا أن 15 في المئة فقط من المساعدات هو الذي يتوقع مروره عبر الميزانية الحكومية. على أن زيادة المساعدات التي تمر عبر ميزانية الحكومة يتطلب أولا زيادة قدرة الحكومة الأفغانية على استيعاب تلك المساعدات عبر مزيد من الضوابط الصارمة لمناوئة الفساد. ويُذكر هنا أن وزارة المالية الأفغانية تمكنت من استخدام آلية التمويل عبر الميزانية لزيادة درجة الشفافية والرقابة المالية الكفؤة، والإشراف على الأمور المالية للوزارات الأخرى. وقد قام البنك الدولي، بالتعاون مع "صندوق ائتمان إعادة التعمير الأفغاني"، بتقديم المساعدات عبر الميزانية بالتعاون مع الوزارات الأفغانية. فالأفغان لا يستطيعون السيطرة على مصيرهم إذا ما التف الدائنون على الحكومة الأفغانية القائمة وتجاهلوها، لأن التنمية والتطور لا يعملان بمعزل عن شراكة محلية. الآلية الثالثة: إن الأفغان يستطيعون مساعدة أنفسهم إذا التزموا بدفع المستحق عليهم في مجال الضرائب والعوائد الجمركية وضريبة القيمة المضافة وتحصيل عوائد التعدين. فالأموال المتحصلة من كل ذلك قد تساعد على التخفيف من حجم الفجوة التي ستنشأ عقب تقلص الإنفاق العسكري وأموال المساعدات، والتي سيتم سدها في نهاية المطاف من قبل المانحين الأجانب. الآلية الرابعة: هناك حاجة لمزيد من الجهود لزيادة استثمارات القطاع الخاص، فتلك الزيادة ستساعد على تمويل جهود التنقيب عن المعادن، والتي تثبت الأبحاث أن البلاد غنية بها، وكذلك التنقيب عن النفط والغاز. كما يمكن أن تساعد على تحسين كفاءة البنية التحتية وبناء المزيد من مشروعاتها، وعلى زيادة الإنتاج الزراعي لتعزيز دوره كدعامة أساسية للاقتصاد البلاد. كما سيحتاج الأمر إلى زيادة استثمارات القطاع الخاص في مجال الري، والطرق، ووسائل النقل من أجل توصيل الحاصلات إلى الأسواق المحلية والخارجية. لقد حقق الأفغان تقدماً اقتصادياً قابلا للقياس خلال السنوات الأخيرة. وهناك حاجة للبناء على ما تحقق من إنجازات، وليس التخلي عنه. والاستراتيجية الأمنية الانتقالية خلال الفترة ما بين انسحاب القوات الأجنبية وتمكن قوات الجيش والشرطة الأفغانية من تولي المسؤولية كاملة، تتطلب استراتيجية مكملة في مجال الاقتصاد. فجيش بدون اقتصاد قوي محكوم عليه بالفشل في تحقيق المهام المكلف بها. والتقليص الاقتصادي المتسارع وغير المخطط له، سوف يؤدي إلى إضاعة المكاسب التي دفع الأفغان أثمانها من دمائهم. وشركاء أفغانستان بحاجة الآن للتخطيط معاً، وبالتعاون مع الحكومة الأفغانية، لتحديد الكيفية التي ستصل بها البلاد إلى تلك النقطة. روبرت زوليك رئيس البنك الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"