أثار مقتل بن لادن نقاشاً واسعاً حول الدور الذي لعبته تقنيات الاستنطاق المتقدمة التي استخدمت خلال جلسات التحقيق مع المعتقلين ومحوريتها في التعرف على مكان بن لادن، وما إذا كانت بالتالي وسائل مبررة يمكن اللجوء إليها لجمع المعلومات الاستخباراتية. والحقيقة أن جزءاً كبيراً من هذا الجدل يدور حول تعريف التعذيب، ومدى اندراج تلك الممارسات والتقنيات التي استخدمت ضمن التعذيب. وفي رأيي الشخصي أنها بالتأكيد تدخل في إطار التعذيب، خاصة فيما يتعلق بتقنية الإيهام بالإغراق التي تشبه عملية الإعدام، ومن ثم لا يمكن التعامل معها سوى كوسيلة من وسائل التعذيب، وهي باعتبارها كذلك تبقى محظورة في القانون والقيم الأميركيين. لكني في الوقت نفسه متأكد من أهداف المحققين الذين استخدموا تلك التقنيات، والمتمثلة في حماية أميركا والأميركيين، وأعرف يقيناً أن ما حركهم هو التعاطف مع ضحايا الهجمات الإرهابية والرغبة في التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تتوقف عن ملاحقة الإرهابيين وتقديمهم للعدالة مهما طال الزمن. لذا لست من الذين يدعون إلى محاكمة هؤلاء المحققين الذين كان همهم الوحيد الدفاع عن أميركا، وإن استخدموا طرقاً وتقنيات لا يقرها القانون. وأدعم في هذا السياق تقديم الإدارة الأميركية تعهدها بعدم ملاحقة المحققين مستقبلا. ومع أني كنت أحد الذين صاغوا قانون حظر تقنيات التعذيب التي لجأت إليها الإدارة السابقة، فقد حرصت إلى جانب باقي المشرعين على التأكيد بأن القانون الجديد لن يتابع الممارسات السابقة قبل صدوره، ولا أعتقد أنه من الحكمة الرجوع إلى الموضوع والبحث عن المحققين في محاولة لتقديمهم للعدالة. لكن، ورغم التطمينات التي مُنحت للمحققين، وإعلان الرغبة في عدم متابعتهم بعد صدور القانون المجرم للتعذيب، لابد من فتح نقاش بنّاء؛ فقد أورد المدعي العام السابق "مايكل موكاسي"، في حوار أجري معه مؤخراً، أن "المعلومات التي قادت إلى بن لادن... بدأت بما كشف عنه خالد الشيخ محمد الذي انفجر مثل سد تحت ضغط أساليب الاستنطاق القاسية التي تضمنت الإيهام بالغرق، ليتدفق منه سيل من المعلومات بما في ذلك اسم أحد حاملي رسائل بن دلان الذي قادنا إليه". غير أني عندما سألت مدير وكالة الاستخبارات المركزية، "ليون بانتيا"، حصلت على رواية مغايرة قال فيها: لم يُكشف الخيط الأول الموصل إلى بن لادن مع خالد الشيخ محمد الذي تعرض للإيهام بالإغراق 183 مرة، بل إن أول إشارة إلى "أبو أحمد الكويتي"، وهو اسم حامل رسائل بن لادن، فضلا عن توصيف دقيق له، جاء من معتقل كان محتجزاً في بلد خارج الولايات المتحدة ولم يتعرض لأي نوع من أنواع التعذيب. وأضاف مدير وكالة الاستخبارات المركزية أنه لا أحد من المعتقلين الذين خضعوا للتعذيب نطق باسم أبو أحمد الكويتي، بل إن ممارسة تلك التقنيات على خالد الشيخ محمد أدت إلى نتائج عكسية باضطراره إلى الإدلاء بمعلومات مغلوطة فقط للتخلص من التعذيب، فقد أخبر محققيه أن "الكويتي" توقف عن مساعدة "القاعدة" وأنه يعيش اليوم في بيشاور بعدما فضل الاستقرار والزواج، وهي معلومات خاطئة كما سيتبين لاحقاً. هذا بالإضافة إلى تأكيد لجنة الاستخبارات في الكونجرس أن أفضل المعلومات التي حصلت عليها "سي أي إيه" كانت تلك التي أدلى بها المعتقلون طواعية ودون الخضوع للأساليب القسرية. وإذا كان التعذيب في بعض الأحيان يؤدي إلى نتائج جيدة إلا أنه في أغلب الأوقات يعطي معلومات مضللة؛ لأن المعتقل الخاضع للتعذيب لا يهمه سوى التخلص منه حتى لو اضطر إلى قول ما يريد المحققون سماعه؛ لتبقى الحقيقة إن إساءة معاملة المعتقلين تهدد جنودنا في الخارج الذين قد يقعون يوماً ما في الأسر، وحتى في حال عدم تقيد "القاعدة" أو الجماعات المشابهة بقيمة المعاملة بالمثل، فإنه يتعين التحسب للحروب التقليدية التي تخوضها أميركا والحرص على سلامة جنودنا حتى بعد الوقوع في الأسر. والعزاء الوحيد بعد المدة الطويلة التي استغرقها الوصول إلى بن لادن هو أنه عاش طويلاً حتى يرى "الربيع العربي" الذي جاء ليدحض كل ما يدافع عنه ويؤسس لإمكانية التغيير السلمي بديلاً لأيديولوجيته المتطرفة. وفيما نناقش اليوم الطريقة التي يمكن بها للولايات المتحدة مساعدة الربيع العربي، فإن أفضل ما يمكن القيام به في هذا المجال هو الالتزام بقيمنا كأمة تحترم حقوق الإنسان وتعليها على الرغبة في الانتقام. فحتى في حالة العقاب القانوني الذي يستوجب الإعدام، لا يمكن الإساءة إلى السجناء وحرمانهم من حقوقهم الأساسية التي ينص عليها الدستور الأميركي. لكن، وإلى جانب النقاش العملي حول التعذيب الذي أثبتنا أنه لا يقود بالضرورة إلى معلومات أهم، وبالتالي قد لا يساهم في حماية أميركا، بل قد يعرض مصالحها الخارجية للخطر... هناك الجانب الأخلاقي من النقاش الذي يحيل إلى القيم الأميركية المناهضة في جوهرها للتعذيب، مذكرين الذين يخوضون الحرب ضد الإرهاب بالنيابة عنا أن جزءاً مهماً من كسب المعركة يكمن في مدى تمسكنا بقيمنا الإنسانية والأخلاقية. جون ماكين سيناتور جمهوري من ولاية أريزونا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن يوست وبلومبرج نيوز سيرفس"