أعادت كارثة اليابان النووية والناجمة عن التسونامي والزلزال المدمرين، أزمة الطاقة إلى المربع الأول وفرضت على بلدان العالم إعادة حساباتها السابقة فيما يتعلق بأمن الطاقة والتي تعتبر المحرك الأول لعجلة التنمية. وبعد أن أقدمت العديد من الدول، وبالأخص في أميركا الشمالية وأوروبا على اتخاذ إجراءات عملية للابتعاد عن مصادر الطاقة الهايدروكربونية والتوجه إلى البدائل الأخرى، وعلى رأسها الطاقة النووية، فإن كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان وما نجم عنها من تلوث إشعاعي خطير، رغم احتياطات السلامة الصارمة، دفعت لاتخاذ خطوات عملية للتخلص من المفاعلات النووية، حيث أعلنت ألمانيا بصورة فورية تعليق العمل في سبعة مفاعلات وأعربت عن نيتها إغلاق 17 مفاعلاً نووياً مع نهاية العقد الحالي. وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، يتم العمل من أجل التخلص التدريجي من 143 مفاعلاً نووياً، على أن تخضع هذه المفاعلات لاختبارات تحمّل في الوقت الحاضر، وذلك بعد أكثر من ربع قرن على كارثة تشرنوبل في عام 1986. ومع أن مثل هذا التوجه سوف يزيد الاعتماد على النفط والغاز، فإنه سوف يفتح آفاقاً واسعة لتطوير مصادر الطاقة البديلة والنظيفة، حيث عُقد في الأسبوع الماضي المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "ايرينا" في العاصمة أبوظبي. والحال، أن إعادة النظر في أمن الطاقة من النواحي الفنية سوف تتفاوت بين بلد وآخر، فالبلدان الأوروبية سوف تركز على محاولات تطوير طاقة الرياح وتكثيف البحوث لتطوير مصادر الطاقة الشمسية، وذلك للحد من زيادة اعتمادها على الغاز المستورد من روسيا وشمال إفريقيا. أما في الأميركتين وآسيا وإفريقيا، فبالإضافة إلى طاقة الرياح، سوف تحتل الطاقة الناجمة عن مصبات الأنهار والطاقة الشمسية مكانة بارزة في استراتيجيات الطاقة هناك. ويمثل هذا التحول أهمية خاصة للبلدان العربية، وبالأخص المنتجة للنفط، فكارثة فوكوشيما لابد أن تؤدي إلى إعادة ترتيب موازين الطاقة العربية والخليجية، مثلما أدت إلى إعادة ترتيب مماثلة في أميركا وأوروبا، إذ ربما تكون إعادة الترتيب الخليجية أسهل من مثيلتها الغربية، وذلك بفضل وجود احتياطيات هائلة من النفط والغاز في دول مجلس التعاون أولاً وبفضل توفر مصادر الطاقة الشمسية على مدار العام ثانياً. وضمن عملية إعادة الترتيب الخليجية يمكن التركيز على إنتاج الطاقة الشمسية بصورة خاصة وإعادة ضخ جزء من الاستثمارات المخصصة للطاقة النووية لتوظيفها في تطوير مصادر الطاقة الشمسية النظيفة والآمنة والمتجددة. وإذا كانت كارثة مفاعل فوكوشيما تقع على امتداد المحيط الهادي مترامي الأطراف، مما خفف من حدة التلوث، فإن منطقة الخليج تعتبر منطقة مغلقة وتعتمد بنسبة كبيرة على المياه المحلاة، كما أن المدن الخليجية قريبة من بعضها البعض، مما يثير الكثير من المخاوف بسبب عدم القدرة على محاصرة التلوث، فمفاعل بوشهر الإيراني يقع على خط الزلازل رغم ندرتها في منطقة الخليج، علما بأن إجراءات الأمن والسلامة فيه هي محل تساؤلات كثيرة. لذلك، فإن استخدام طرفي المعادلة بصورة صحيحة، أي عائدات النفط الهائلة المتوقعة خلال السنوات القادمة وتوظيفها لإيجاد مصادر طاقة نظيفة، وبالأخص الطاقة الشمسية، سيشكل مكسباً اقتصادياً وأمنياً واستراتيجياً كبيراً للبلدان المطلة على الخليج العربي، إذ أن ذلك التوجه سيساهم في استمرار دول الخليج، كمزود رئيسي بالطاقة من خلال تطوير صادراتها من الطاقة الشمسية، وبالتالي المحافظة على دورها المهم في سوق الطاقة العالمي في حقبة ما بعد النفط، بينما لا توفر الطاقة النووية مثل هذا البديل.