في حب الوطن لا يقبل القلب القسمة على اثنين، وفي الولاء لا تجد ما يمكن أن تقسم عليه إلا ذلك الإصرار بأن يكون العهد لمن يصون العهد. لا يماري أحد في أن أحداثاً جساماً تمور بها الأمة من مغربها إلى مشرقها أو تجاهل ما يجري وإن جيل الانترنت والفيسبوك ، وجيل رياح الياسمين وثورته مؤشرات لا يمكن الصد عنها، وأن تجاهل صعود نجم بعض التيارات الدينية هو نوع من العبث. فأنت لا تعيش بمعزل عن محيطك العربي، وفي الأحداث تبرز الأنياب والمخالب، ويكون مصاصو الدماء أقرب إلى الوريد. وها هم يقفون على الطرف الأكثر حدة محاولين اقتناص الفرصة للزج بالفكرة إلى أتون الاحتراق، وتفاجأ بأن اسمك مدرجٌ بين الأسماء رغم أنك لم توقع على وثيقة، ولم تطرح نفسك منافحاً عن فكرة تبدو منفلتة أو غير واعية. لا يرتبط الأمر بعدم إيمانك بصيرورة أحداث حراك لتطوير التجربة، ولكن الأمر لم يصل إلى حد التوقيع على عريضة كانت ربما مدخلًا هادئاً لطرح الفكرة، وتكتشف مع الأيام أن هذه العريضة ما هي إلا عنوان صغير خجول لمشروع أكثر خطورة يحمل في طياته بذوراً شيطانية، لا تريد أن يزج ربما بفكرك الذي استهدف طويلاً أو ربما فهم بشكل مشوه أو ربما سعى أحدهم لتحقيق مآرب شخصية إلى تشويهك عمداً محاولًا دق إسفين بينك وبين تاريخ ارتباطك بالنهج في دوامة تمني الأفضل لهذا الوطن وناسه لقد حملت العريضة فيما حملت رؤية ممنهجة تستهدف إحداث شرخ أو توجيه رسالة. تستوقفك اللحظة الراهنة، وتكتشف أنك كنت ضحية إخلاصك وضحية حرصك عندما تدرك أن للقوم مآرب أخرى، وأن أصحاب العريضة لم يكونوا بذلك النقاء الذي كنت تعتقد، وأن برنامجهم كان أبعد من مجرد تعديل طريقة المشاركة الانتخابية، وأنهم مؤمنون بفكرة أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وهي خطوة مدروسة تغذيها مجموعة التطورات، التي منحت هذا الفكر أرضية خصبة وأخرجته من الظلمة إلى دائرة النور. إنها أول مرة في التاريخ العربي المعاصر يكون لهذا الفكر منابره المفتوحة وحناجره الزاعقة والقدرة على التحول إلى حزب سياسي وفق توجهات المرشد. عندما يتجرأ المنتمون لهذا الفكر -أو ذلك التوجه- على المجاهرة بأفكارهم مستغلين مساحة الحرية والتسامح، فإن ذلك ووفق كل السنن لا يمنحهم أي حق في التطاول أو الإخلال بمنظومة القيم التي تشكل العقد الاجتماعي الذي تعاهد عليه كل أبناء الإمارات حاكماً ومحكوماً وهو تطاول ربما اتسع له صدر السلطة السياسية، وتعاملت معه بروح أبوية وحكمة تستقرأ الأحداث وتتجاوز سقطات الأبناء مستندة إلى تاريخ طويل طويل من طول البال وسماحة التجاوز عن زلات الأبناء. ولكن أن يكون هذا التسامح أرضية للإضرار بالمصالح العليا للإنسان والأرض والسيادة، فإن الخطوط الحمراء تبرز واضحة، ولن تكون للعريضة مهما غلَّفت مطالبها بمنمق الحديث وصغير المطالب أي وهج أو تفسيرات متضاربة، لأن من يقرأ الرسالة يستطيع أن يفك رموزها بوعي أكبر. من الواضح أن للعريضة مآرب أخرى ورسائل صادمة ومنهج ممنهج لزرع بذور الفتنة وإيقاظ تنين الشر وسرقة المنبر والاستيلاء على المسجد وتزييف الوعي وغسيل الأدمغة لصالح فكر ملطخة أيدي الغوغاء المنتمين له بدماء المسلمين الأبرياء، الذين قتلوا عبثاً. لكل هذا يحق للمرء أن يصرخ، أو يجب أن يصرخ إنْ كان قد غمَّ عليه أو انزلق دون قصد أو بحسن نية، بأنه منهم براء.