في عام 2007، قام جوردون براون، وزير المالية البريطاني وقتئذ، بزيارة للهند تميزت بإلقائه خطاباً يؤيد "نظاماً عالمياً جديداً". وبالطبع، فإن بوش الأب كان أول من ابتكر تلك التسمية الجيدة والمتفائلة بعد حرب الخليج عام 1991، غير أنه سرعان ما تبين أنها تكاد تكون فارغة من أي معنى، وأنه لم تكن لديه أفكار عن الشكل الذي يمكن أن يتخذه ذلك النظام العالمي. وبالمقابل، كان براون قد فكر في الأمر جيداً ووضع مخططات طموح بشكل واضح، لإعادة تنظيم الهيئات الدولية الرئيسية إذ قال: "إن نظام المؤسسات الدولية خلال مرحلة ما بعد 1945 -الـذي أنشئ من أجل عالم من الاقتصادات المحمية و50 دولة فقط- لم يكسر بعد، لكن عالماً من 200 دولة وعولمة مفتوحة يحتاجان بشكل عاجل إلى التحديث والإصلاح". والحق أن براون أثار موضوع إعادة تنظيم مؤسسات العالم الرئيسية أكثر من مرة عندما أصبح رئيس وزراء بريطانيا، إلا أنه لم يحصل على استجابة دولية كبيرة. لكن خلال السنوات الأخيرة أصبحت حقيقة أن مؤسساتنا الدولية باتت قديمة ومتجاوَزة على نحو ميؤوس منه بشكل واضح ومتزايد. ومما لا شك فيه أن ثمة دعوات مهمة وقوية لإصلاح مجلس الأمن الدولي، الذي يعد جزءاً أساسيا من الآلية الدولية، بدون مزيد من التأخير، حيث لم يعد هذا المجلس، الذي أسس بموجب ميثاق وقع في سان فرانسيسكو عام 1945، صالحاً للاضطلاع بدوره في 2011، ومعظم الناس يدركون ذلك. وفي نهاية العام الماضي، كتبت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية في مقال افتتاحي لها تقول: "إن العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولي والتمتع بحق الفيتو، تعكسان عهداً عفا عليه الزمن، عندما كان المهم هو من فاز في الحرب العالمية الثانية. والحال أن مجلس الأمن، الذي بات لا يمثل العالم تمثيلاً جيداً بل خارج سياقه الزماني، يتحدث اليوم بسلطة آخذة في التقلص، حيث بات أقل قدرة على مناقشة المواضيع المهمة لأن اللاعبين المهمين ناقصون، وأقل قدرة على تقديم آراء ذات بال، لأنها لا تحمل ختم كل القوى العظمى العالمية. وسواء كنت تعتقد أن الأمم المتحدة تستطيع تحقيق القليل أو الكثير، فالأكيد أن مجلس أمن أفضل سيكون قادراً على فعل المزيد". ومن الواضح أن الأمر يتعلق هنا بانتقادات خطيرة ودقيقة وصحيحة. والعام الماضي أيضاً، تعهد الرئيس الأميركي بدعم إصلاح مجلس الأمن الدولي، ذلك أنه خلافاً لسلفه الذي لم يكن يكترث كثيراً للأمم المتحدة، يسعى أوباما للحصول على توافق دولي، ويكن احتراماً كبيراً للقانون الدولي في ممارسة السياسة الخارجية. وشخصياً، فوجئتُ على غرار الكثيرين، عندما قرر مجلس الأمن الدولي في السابع عشر من مارس الماضي التحرك وأصدر قراراً قوياً وحاسماً لمنع القذافي من مهاجمة شعبه. ومما لا شك فيه أنه سينظر إلى ذلك القرار الدولي في المستقبل باعتباره لحظة فارقة تسنى خلالها إنقاذ أرواح كثيرة في كل من بنغازي وطبرق. وقد سررتُ عندما رأيت مجلس الأمن -وفي الوقت المناسب تماماً- يتصرف وفق الدور الذي أنشئ من أجل الاضطلاع به، تصرفٌ أظهر الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه في الشؤون العالمية عندما لا يتم استعمال الفيتو. لكن، ما هي الدول التي ينبغي أن توجه لها الدعوة لتصبح أعضاء دائمة في مجلس أمن دولي موسع ومحسن من أجل منحه سلطة كبيرة؟ الواقع أن كلا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تدعمان الهند. وستبدو ألمانيا خياراً بديهياً، لكن هل ينبغي السماح للاتحاد الأوروبي بأن يكون ممثلاً بثلاثة أعضاء في المجلس؟ جوابي نظرياً هو الاعتراض. أما عملياً، فالأرجح أنه لا واشنطن ولا لندن ستقبلان بالتنحي جانباً. وعلاوة على ذلك، فستعترض إيطاليا على ألمانيا، حسب اعتقادي، على غرار إسبانيا. أما اليابان، فسيكون لديها ملف قوي؛ إلا أن الصين يُتوقع أن تعترض على انضمامها للمجلس، حيث تشهد الصين بين الحين والآخر مظاهرات واحتجاجات على خلفية ما يعتبر فشلاً من جانب اليابان في مواجهة سجلها القاتم خلال الحرب العالمية الثانية. البرازيل أيضاً لديها ملف جيد، غير أن الأرجنتين تنظر إلى نفسها كمنافس قديم، والمكسيك لن تكون سعيدة بذلك على الأرجح. أما في ما يتعلق بالقارة السمراء، فإن كلاً من جنوب إفريقيا ونيجيريا تمثلان قوتين إقليميتين، والأرجح أن الدول الإفريقية ستجد صعوبة في الاختيار، هذا في حين قد تفكر كينيا في أن لديها فرصة أيضاً. وعليه، فهل ينبغي أن يكون ثمة مقعد إفريقي بالتناوب ربما؟ وهل ينبغي أن تمثل مصر العالم العربي، لأنه ستكون ثمة حاجة لوجود دولة إسلامية واحدة على الأقل؟ قبل بضع سنوات، اتحدت كل من ألمانيا واليابان والهند والبرازيل، وحاولت الدفع بالنقاش إلى الأمام ومناقشة الحجة القديمة والمتشائمة التي يدفع بها بعض الدبلوماسيين من أن النقاش لا جدوى منه وأن لا شيء سيتم، فاقترحت هذه البلدان أن يتم رفع عدد أعضاء مجلس الأمن الدولي، من خمسة عشر عضواً الآن، إلى خمسة وعشرين عضواً، عبر إضافة ستة مقاعد دائمة وأربعة غير دائمة. والواقع أنه ينبغي علينا أن نرفض الفكرة القائلة بأنه لا يمكن فعل أي شيء، ولنتذكر هنا أن الاتفاق على ميثاق الأمم المتحدة الأصلي لم يكن سهلاً. ومما لا شك فيه أننا نستطيع القيام بتغييرات على هذا المستوى؛ ومثلاً فقد تم تحويل مجموعة السبعة الكبار إلى مجموعة العشرين. ثم هناك أفكار جيدة أخرى كأن يتخلى الأعضاء الدائمون عن حقوق الفيتو لخمس عشرة سنة، مثلاً، وأن تتم مراجعة ترتيبات جديدة بعد فترة مماثلة، وذلك حتى يعكس مجلس الأمن الدولي الوقائع المتغيرة للسلطة العسكرية والاقتصادية. Summary محمود