في العام الماضي، وعندما توقفت الصين عن المشاركة في المحادثات العسكرية مع الولايات المتحدة عقب قيام إدارة أوباما ببيع الأسلحة الدفاعية المتوقعة منذ فترة طويلة لتايوان، سأل مسؤول أميركي رفيع المستوى نظيره الصيني عن السبب في حدة رد الفعل الصيني تجاه شيء كانت تقبل به في الماضي، فرد بالقول: "لأننا كنا ضعفاء في الماضي، أما الآن فنحن أقوياء". وفي زيارة قمت بها مؤخراً لبكين، سألت خبيراً صينياً عن السبب في الثقة الجديدة بالنفس التي تتصرف بها الصين في مجال السياسة الخارجية فكانت إجابته: "بعد الأزمة المالية التي ضربت العالم، يعتقد الكثير من الصينيين أن بلادهم في حالة صعود وأن الولايات المتحدة في حالة هبوط". والصينيون ليسوا وحدهم الذين يعتقدون ذلك. فقد أثبت استطلاع رأي حديث، أن هناك المزيد من الأميركيين الذين باتوا يعتقدون أن الصين ستصبح القوة المهيمنة في العالم خلال عشرين عاماً القادمة. ويذهب بعض المحللين إلى ما هو أبعد من ذلك، فيقولون إن صعود الصين سوف يؤدي إلى صراع مشابه للصراع الذي دار في بداية القرن العشرين بين ألمانيا الصاعدة وبريطانيا المهيمنة والذي قاد إلى الحرب العالمية الأولى عام 1914. يجب على المرء أن يأخذ هذه الاستنتاجات المفرطة بشيء من التشكك، إذ لا يزال أمام الصين طريق طويل قبل أن تتمكن من اللحاق بالولايات المتحدة في المجالين العسكري والاقتصادي وموارد القوة الناعمة، بينما كانت ألمانيا قد تجاوزت بريطانيا، القوة المهيمنة في العالم، بحلول عام 1900. فحتى إذا ما تجاوز الناتج القومي الإجمالي الصيني نظيره في الولايات المتحدة في نقطة ما خلال العقد القادم، فإن اقتصادي البلدين لن يكونا متساويين مع ذلك، إذ سيكون لا يزال لدى الصين ريف شاسع متخلف، وسوف تكون بالكاد قد بدأت في مواجهة مشكلات ديموغرافية وتباطؤاً في النمو. وكما يقول بعض الصينيين فإنهم "يخافون أن يشيخوا قبل أن يغتنوا". وباختصار... ما يزال أمام الصين طريق طويل حتى تتمكن من أن تشكل تحدياً للولايات المتحدة يماثل ذلك الذي شكلته ألمانيا لبريطانيا عندما تجاوزتها في بدايات القرن الماضي. لكن العديد من الصينيين لا يرون العالم بهذه الطريقة، فهم يعتقدون أن الركود الاقتصادي الذي ضرب العالم عام 2008، قد أحدث تحولاً في ميزان القوى، وأن الصين بالتالي يجب أن تكون أقل احتراماً للولايات المتحدة الآخذة في الأفول. وهذا التقدير المفرط للقوة الذاتية هو الذي ساهم في جعل السياسة الخارجية الصينية أكثر وثوقاً بالنفس خلال العامين الماضيين مقارنة بما كانت عليه من قبل. وعلى ما يبدو، فإن ذلك التغير في الإدراك جعل الحكومة الصينية أكثر جسارة في تصرفاتها، رغم أن تقييمها كان خاطئاً في حد ذاته. لسنوات، حرصت الصين، عملاً بنصيحة قائدها التاريخي "دينج هيساو بينج"، على المحافظة على حضور خافت على الساحة الدولية. لكن بعد نجاحها في الخروج سالمة من الركود الاقتصادي، ونجاحها في تحقيق معدل نمو بنسبة 10 في المئة، ونجاحها في تجاوز اليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم... بدأ الكثيرون في الصين يضغطون باتجاه اتباع سياسة خارجية أقوى حضوراً. البعض يربط بين تلك السياسة وبين مقدم الرئيس "هو جنتاو"، لكن هذا الرأي مبسط للغاية، حيث لا يزال كبار القادة الصينيين راغبين في مواصلة اتباع استراتيجية "بينج" القائمة على الحضور الخافت، و"عدم هز القارب"، أي عدم الإتيان بتصرفات قد تؤدي لاختلال توازن الأمور. غير أنهم يواجهون ضغطاً من أسفل من قبل أصحاب المشاعر القومية المفرطة المتصاعدة، سواء في الجهاز البيروقراطي أم في العالم الافتراضي من خلال مواقع المدونين. والثقة الزائدة بالنفس التي اكتسبتها الصين مؤخراً، أثرت على علاقاتها مع دول أخرى وليس الولايات المتحدة فقط. من هذه الدول اليابان التي اشتبكت مع الصين في نزاع حول جزر "سنكاكو". كما أثارت الصين حفيظة كوريا الجنوبية عندما رفضت انتقاد كوريا الشمالية لقيامها بقصف جزيرة تابعة لها، وأغضبت الهند كذلك حول موضوع الحدود والجوازات، وعرضت نفسها لانتقادات واسعة النطاق في أوروبا عندما اتخذت رد فعل مبالغ فيه تجاه منح جائزة نوبل للمنشق المسجون "ليو تشياوبو". عن ماذا ستتمخض هذه الموضوعات في العام المقبل؟ من المحتمل أن يتراجع القادة الصينيون قليلاً عن الموقف المفرط في التعبير عن الثقة بالنفس، والذي كلف بلادهم الكثير، لكن من المؤكد أنه سيكون من الصعب إقناع هؤلاء القادة بإجراء تغييرات دراماتيكية على السياسة الخارجية الصينية. ولا شك أن زيارة "جنتاو" لواشنطن في يناير الماضي قد ساعدت على تحسين الأوضاع، لكن العلاقة بين الدولتين ستظل متوترة طالما ظل الصينيون يشعرون بذلك الخيلاء المبني على مشاعر القومية المتضخمة والاعتقاد الخاطئ بأفول أميركا. ومن سوء الحظ أن هذه التغييرات في الإدراك جعلت التعاون بين الدولتين أكثر صعوبة، لأن أي تساهل أميركي ستتم ترجمته في بكين على أنه علامة ضعف. لكن إذا ما اتبعت الدولتان سياسات ومواقف أكثر واقعية، فلن تحتاجا إلى تكرار التجارب الكارثية التي مرت بها ألمانيا وبريطانيا قبل قرن من الآن. جوزيف آر. ناي أستاذ بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب "مستقبل القوة"