إذا كانت قيادات حركة "حماس" تبحث عن طريقة لتبرير رفض دخول الرئيس عباس إلى القطاع، رغم أنّ الدّعوة للزيارة جاءت من قبل رئيس الحكومة المقالة، ورغم أن قيادات الحركة والشخصيات القريبة منها في الضفة، يتقدمهم دويك وناصر الشاعر، يدعون علنا قيادة "حماس" لتسهيل الزيارة... فإنّ بعض السيناريوهات التي تطرح على بساط البحث لدخول غزة، تبدو أنّها تسجل تحولاً تاريخياً لو قيّض لها أن تجري. أحد هذه السيناريوهات أن يدخل عبّاس من معبر رفح، مصطحباً أمين عام جامعة الدول العربية، وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي. لو تحقق هذا السيناريو فإنّ هذا سيُعدُّ كسراً للحصار بمباركة مصرية، وغطاء عربي إسلامي للمصالحة، وهو ما سيقوي الموقف الفلسطيني دوليّاً إلى حد كبير، خصوصاً في مخاطبة الأمم المتحدة، وسيجعل من الصعب على واشنطن اتخاذ قرارات انتقامية وإبداء ردود فعل واسعة ضد المصالحة، لأنّها بذلك تضع نفسها في مواجهة الشارعين العربي والمسلم. كذلك فإنّ الجماهير التي ستخرج للقاء عباس، ستكون عملياً خرجت للقاء ممثلي الشارعين العربي والمسلم، وبالتالي سيبدو الأمر احتفاء بكسر الحصار وبالضيوف، وليس بعباس وحده، وبالتالي يرفع هذا الأمر هاجس حركة "حماس" أن يبدو دخول عباس إلى غزة دخول المنتصرين والفاتحين. هناك سيناريو ثان متداول، يحقق ذات الأهداف وربما أهدافاً إضافية، هو أن يلتقي عباس قادة "حماس" في القاهرة، ومن بينهم هنية، ثم يعود الاثنان معاً، وربما يصحبهم مسؤولون عرب ومسلمون ودوليون، وهكذا سيكون الأمر تدشيناً للوحدة والمصالحة، وستكون الاحتفالات بالمصالحة قبل كل شيء، وهكذا ينتفي القلق حول من يحقق الانتصار من هذه الخطوة، ويكون الشعب بمجمله هو من انتصر. مثل هذه السيناريوهات ستكون مكسباً حقيقياً للشعب الفلسطيني. أمّا رفض الزيارة ورفض المصالحة من قبل طرف "حماس"، أو وضع قيود واشتراطات على الزيارة من قبل "فتح"، فهذا تضييع لفرصة تاريخية، سيحاسب الشعب عليها من يتسبب بها. سيكون ممكناً من خلال الوحدة الوطنية إعلان سلسلة مواقف تحقق مكاسب للشعب الفلسطيني، إذ سيصبح أسهل كثيراً التحرك على الصعيد الدولي وفي الأمم المتحدة، والاتفاق على برامج ميدانية للمقاومة الشعبية وبناء الدولة وإعادة النظر في سياسات التنسيق الأمني. على "حماس" أن تدرك متطلبات الواقعية السياسية، وقد أدركت بالفعل جوانب كثيرة منها خلال تجربة الحكم في القطاع، وتعاطيها عن قرب مع الساحة الدولية. في المقابل يشير عباس لاحتمال التنازل عن مساعدات مالية ومكاسب اقتصادية دولية كبيرة بهدف تحقيق المصالحة، وهذا ما يتطلب من "حماس" أخذ خطوة مشابهة، بالتأكيد على استقلالية قرارها عن الضغوط الإقليمية والدولية. ويمكن أن يزيد عباس من توضيح مكاسب "حماس" من هذه الخطوة بتأكيد تسهيله انفتاح العالم عليها. ليس مرجحاً أن ترتقي الحالة الفلسطينية لمثل هذه السيناريوهات، لكن لو تحققت فإنّها ستكون تحولاً تاريخياً بحجم ما تحتاجه قضية فلسطين.