لقد عرفت مصر تغييراً يعد جوهرياً إلى أبعد حد، وذلك في أعقاب الأحداث التي انطلقت شرارتها في الخامس والعشرين من يناير الماضي، والتي أفضت إلى تنحي مبارك مساء أول أمس الجمعة من منصبه كرئيس للجمهورية. ولعل التحدي الكبير والأهم الذي يواجهنا جميعاً في هذه المرحلة الحالية هو ترجمة التغيرات التي أفرزتها هذه الانتفاضة الشعبية المصرية إلى جملة من الضمانات والتدابير الملموسة لابد منها من أجل دعم انتقال حقيقي وآمن إلى النظام الديمقراطي. وفي هذا الإطار تحديداً، يتعين علينا أن نتخذ خطوات محددة تضمن حماية البلاد من حالة الفوضى والتسيب والانفلات، على غرار ما عاناه الكثير من الناس عبر ربوع مصر خلال الأيام الأخيرة. كما يتعين علينا في هذا الخصوص أيضاً أن نشرع في تطبيق المطالب العادلة والشرعية للمواطنين، والمتمثلة اختصاراً في وضع حد فوري للسلطوية والدكتاتورية في مصر. لقد أرغمت الأحداث التي شهدتها مصر خلال الأيام الأخيرة عدداً من المثقفين والسياسيين والمقاولين والصحافيين وأصحاب مهن أخرى كثيرين في البلاد على الاتحاد والتآلف، والسعي إلى إيجاد مخرج من المأزق بين المحتجين -الذين كانوا يحظون بكل وضوح بدعم قطاعات واسعة من الشعب المصري- وبين حكومة مبارك التي كانت ترفض الدعوات إلى إصلاح سياسي حقيقي. وفي هذا الإطار، أُنشئت "لجنة الحكماء" التي عُينتُ متحدثا وناطقاً باسمها، من قبل رجل الأعمال الشهير نجيب سويرس، وأحمد كمال أبو المجد، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة الذي عمل وزيراً للإعلام في عهد الرئيس السادات. كما تضم هذه اللجنة في عضويتها شخصيات مصرية بارزة من قبيل عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية؛ ونبيل العربي، وهو قاض سابق في محكمة العدل الدولية ومندوب مصر السابق لدى الأمم المتحدة؛ ونبيل فهمي، الرئيس السابق لأعلى محكمة إدارية وسفير مصر السابق لدى الولايات المتحدة الأميركية. هذا وقد حددت اللجنة لنفسها هدف القيام بمساعي وساطة بين الجانبين، والسعي إلى تقديم "خريطة طريق" لإنارة مهمات الفترة الانتقالية التي تعقب تنحي الرئيس. وفي هذا الإطار، دعونا مبارك إلى تنفيذ مجموعة من التعديلات الدستورية قبل تفويض المسؤولية إلى نائبه كي يتولى الإشراف على العملية الانتقالية. وهي عملية يجب أن تشمل، في تقديرنا، الخطوات التالية: رفع حالة الطوارئ، وحل مجلسي الشعب ومجلس الشورى غير الشرعيين (غرفتي البرلمان اللتين نتجتا عن انتخابات شابتها اختلالات وأعمال تزوير واسعة)، وتشكيل لجنة قانونية مستقلة يُعهد إليها بتعديل الدستور، ورفع القوانين التي تقيد الإصلاحات السياسية. وذلك لأن هذه هي الخطوات الأساسية التي ستضع مصر على طريق آمن نحو الديمقراطية، وهي أيضاً الخطوات التي ينبغي أن يحكم من خلالها المجتمع الدولي على مدى التزام حكومتنا بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. فمما لا شك فيه أنه فقط من خلال ضمانات واضحة وجادة سيقتنع مئات الآلاف من الناس الذين خرجوا إلى شوارع المدن المصرية من أجل الاحتجاج بطريقة سلمية وحضارية وللمطالبة بحكومة ديمقراطية في بلادهم، بأن الأمر هنا يتعلق باقتراح جاد، اقتراح يدعم أمنهم وسلامة وطنهم، ويضمن ويؤمن محاسبة ومحاكمة حقيقية للأشخاص المسؤولين عن أعمال العنف الواسعة وانتهاكات حقوق الإنسان المشهودة وإراقة الدماء التي سالت خلال الأيام الأخيرة. وقد أوضحنا في حينه أنه إذا لم يتم تقديم هذه الضمانات وتأكيدها واتخاذ تلك التدابير الملموسة لإزالة فتيل التوتر، فمن المؤكد أن الإرث الطويل من مشاعر الارتياب وعدم الثقة التي يتقاسمها الكثير من المصريين بشأن وعود النظام بالسماح بتغيير حقيقي، سيترسخ وسيتكرس ربما أكثر من ذي قبل، كما سيجعلهم ذلك خائفين إلى أبعد حد مما سيحمله المستقبل إن هم توقفوا عن التظاهر وكفوا عن الاحتجاج. وبالمقابل، قلنا أيضاً إنه يتعين على المصريين أن يقوموا بأكثر من مجرد التظاهر والاحتجاج، وهما حقان دستوريان بكل تأكيد. وهنا لابد من الإشارة إلى أن غياب حركة شبابية منظمة وذات زعامة وتمثيل واضحين، شكَّل عائقا أمام تفاوض جدي وذي بال، ومن ثم كانت النتيجة أن رأينا حواراً محدوداً بين مؤسسات الدولة والمجموعات الشبابية، وكذلك بين الدولة وعدد من الفاعلين السياسيين واللجان السياسية. وانطلاقاً من ذلك الواقع، فقدر رأينا في "لجنة الحكماء" أن ثمة لدينا مسؤوليات كثيرة، وفي مقدمتها مساعدة جموع الشباب المحتجين والذين يتصدرون الثورة، على رؤية وفهم كيفية إنشاء إطار ديمقراطي يمثل مصالحه كقوة جماعية، وليس كأفراد. ثم من جانب آخر، أكدنا بوضوح أنه يتعين على مؤسسات الدولة أن تقبل بالدخول في حوار جماعي وجاد وصادق مع ممثلي شبابنا وقوى الشعب الثائر. لقد أعربنا خلال ذلك مراراً عن يقيننا القوي بأن أفضل طريق إلى الأمام يكمن في مأسسة الحوار الذي كان جارياً في حينه وتحويله إلى مؤتمر وطني أو مفاوضات حول دائرة مستديرة بين مؤسسات الدولة والشباب والقوى السياسية والشخصيات الوطنية المستقلة، وذلك على اعتبار أنه من شأن هذا النموذج أن ينشئ السلطات ويحدد الإطارات الزمنية الخاصة للانتقال السلمي للسلطة ولإنتاج نظام سياسي ديمقراطي في مصر. فوقتها فقط ستكون ثورة الشعب قوية وآمنة على مستقبلها، وها قد تحققت الخطوة الأولى نحو ذلك المستقبل مع تنحي رأس النظام الذي خرجت الجموع في مواجهته. عمرو حمزاوي مدير البحوث في مركز كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت والمتحدث باسم "لجنة الحكماء" المصرية ينشر بترتيب خاص مع "خدمة واشنطن بوست"