بدأ الاقتصاد الأميركي مرحلة عده التنازلي منذ ما يزيد على عقد من الزمان، كما يقول جاري شابيرو، مؤلف كتاب "العودة... كيف يحيي الابتكار الحلم الأميركي"، والذي نعرضه هنا. فالحكومة تنفق أموالاً طائلة من خزانتها العامة، لكن العائد الاقتصادي ضئيل جداً. ويصحب ذلك عجز أميركا عن تهيئة أبنائها للمنافسة في سوق العمل الدولية. والمشكلة، يقول الكاتب، إن الساسة لا يدركون هذه الحقيقة ولا يعيرونها اهتماماً. وفي حين تتآكل كبريات المدن ويضمحل دورها الاقتصادي، يلاحظ أن العاصمة واشنطن تنتعش على حساب تلك المدن. لكن ليس من قدر أميركا أن تواصل السير في هذا الطريق المؤدي إلى الانهيار، بل حان الوقت لأن تعود إلى ما كانت عليه من ازدهار اقتصادي أسس فكرة حلمها الكبير. فما الطريق إلى هذه العودة؟ إنه الابتكار العلمي التقني، كما يقول شابيرو. فعلى امتداد تاريخ أميركا الطويل، كان لمبتكريها قصب السبق في الصعود الاقتصادي الذي لا يضاهى عالمياً. وبفضل الابتكار العلمي التكنولوجي، تحولت أميركا من دولة فلاحية إلى مركز عالمي للتقدم التكنولوجي. وليست دعوة الكاتب للعودة مجدداً إلى الابتكار، قائمة على ما تحقق في ماضي التاريخ الأميركي، بل يرى أن لهذه العودة مزاياها وفوائدها الآنية، ذات الصلة المباشرة بكيفية الخروج من هوة الأزمة الاقتصادية المالية الحالية، وتحقيق التعافي الاقتصادي مجدداً. فالابتكار يساعد على فتح مجالات إنتاجية واسعة، تسهم في إنشاء ملايين الوظائف الجديدة، كما يساعد في فتح الأسواق وتوسيعها، فضلاً عن دوره في إطلاق صناعات مبتكرة. وفوق ذلك كله، فالابتكار العلمي والتكنولوجي يعد رافعة لتقدم أميركا، ودافعاً لها نحو تحقيق النجاح الاقتصادي، والتطلع نحو مستقبل أكثر رخاءً. إنه وسيلة لا غنى عنها لإحياء الحلم الأميركي. وربما تشير سيرة المؤلف إلى إيمانه العميق بالدور الذي تلعبه التكنولوجيا والابتكار العلمي في صعود الأمم. فقد تولى شابيرو قيادة الصناعة التكنولوجية خلال منعطفات وتحولات زلزالية مرت بها: من التلفزيون التقليدي إلى الرقمي، ومن توصيل الأجهزة الإلكترونية سلكياً إلى النظام اللاسلكي، وصولاً إلى الكمبيوتر الشخصي وشبكة الإنترنت. وقد أهلته هذه السيرة لنيل العديد من الجوائز والشهادات العالمية المرموقة. ويجدر بالذكر أن كثيراً من الكتاب والمحللين يشاطرون المؤلف نظرته هذه لأهمية الابتكار ودوره في النهوض الاقتصادي. بل منهم من نظر إلى التخلي عن الصناعة والابتكار كخطوة الأولى نحو انتحار الرأسمالية الغربية ذاتها. وذهب بعضهم إلى القول بأن هناك عوامل أسهمت في الدمار الذي لحق بالنسخة الغربية من الرأسمالية، يأتي على رأسها جميعاً رفض المنظرين الاقتصاديين والماليين الأميركيين لأهمية الصناعة، التي تعني في مدلولها الرئيسي "صنع الأشياء"، أي التكنولوجيا كما يراها شابيرو الذي يسعى للربط المثمر بين المعرفة النظرية وتطبيقاتها العملية، خلافاً لمن جادلوا في ستينيات القرن الماضي بالقول إن الصناعة، بما يرتبط بها من جهد بدني، واستهلاك للمواد الخام، لم تعد ملائمة لاقتصاد المجتمع الحديث. وهذا هو الزعم الذي قامت عليه نظرية "اقتصاد المعرفة" كنمط ملائم للمجتمعات الحديثة. وفي المنحى ذاته، وجهت انتقادات موضوعية إلى نظرية "الشركة الافتراضية" التي تشجع الكيانات الإدارية الوهمية على استغلال الفرص الاستثمارية، سواء على أساس فردي أم جماعي بين عدد من الشركات الافتراضية. وحسب شابيرو، فإن ابتكار الشبكة الإلكترونية وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة، ليس مقصوداً به تجاوز الصناعة الفعلية للخدمات والمنتجات، إنما الهدف أن توظف هذه المبتكرات في ما يعزز الصناعة والإنتاج، ويُحسّن مهارات قوة العمل الأميركية، ويؤهل أجيال المستقبل لخوض التنافس في الأسواق العالمية. ومن رأيه أن العودة إلى الابتكار خطوة صحيحة باتجاه العودة إلى التعافي والنهوض الاقتصاديين. وختاماً تتلخص الفكرة الرئيسية للكتاب في كونه رسالة إلى صانعي السياسات والقرارات الاقتصادية في واشنطن، تؤكد أهمية وضع الابتكار في مركز السياسات ومحورها. عبدالجبار عبدالله الكتاب: العودة... كيف يحيي الابتكار الحلم الأميركي المؤلف: جاري شابيرو الناشر: شركة "بيوفرت" المتحدة للطباعة تاريخ النشر: 2010