أريد كمعظم الأميركيين أن أصدّق أن أحداث الأسبوع الماضي- نقل السيادة إلى العراقيين وظهور صدّام حسين أمام محكمة عراقية- ستضعنا على الطريق المؤدية إلى النجاح. غير أنه ليس هناك ما يشير إلى وجود استراتيجية ستوصلنا إلى ذلك. فنحن قمنا بنقل السيادة إلى العراقيين، لكن العراق ما زال يفتقر إلى القدرة على توفير الأمن والخدمات الأساسية. ولكي نعطي فرصة للديمقراطية والتعددية والأمن الإقليمي، نحتاج إلى سياسة فاعلة- أي إلى سياسة تحتوي أخيراً على جرعة ثقيلة من الواقعية.
ولم تحقق سياستنا الخارجية عظمتها إلاّ عندما جمعت بين الواقعية والمثالية، وبين إحساسنا بضرورة التطبيق العملي والتزامنا العميق بقيم مثل الحرية والديمقراطية. وانظروا هنا إلى حلف الناتو وخطة مارشال، وكلاهما من إبداعات إدارة الرئيس هاري ترومان.
وقد حقق جيشنا أداءً متألقاً في المهمة الأولى من الحرب، وهي وضع نهاية لنظام صدّام حسين. وكل الأميركيين يشاطرون الرئيس بوش رغبته في أن يعيش العراقيون في نعمة الديمقراطية والأمن. لكننا شعب عملي، ونعلم أن كل الخطاب الذي سمعناه لم يترافق مع خطة واقعية لكسب السلام وإعادة قواتنا إلى ديارها. ونحن نعلم أن الرئيس السابق لهيئة أركان الجيش الجنرال إيريك شينيسكي كان محقاً عندما أورد الحجج التي تؤكد أنه ستكون هناك حاجة إلى مزيد من القوات لترسيخ الأمن وكسب السلام في الأسابيع والأشهر التي تتلو سقوط صدّام حسين. ونعلم أيضاً، وبوجه خاص، أنه كان ينبغي علينا جذب المزيد من الأصدقاء والحلفاء إلى هذه القضية.
والغاية هنا ليست التطرق من جديد إلى التاريخ، بل صياغة سياسة جديدة تستند إلى ما نعلم وإلى ما سيكون الأكثر فعالية. وما زالت أمامنا فرصة لمنع تحوّل العراق إلى دولة مخفقة وإلى ملاذ لعناصر الإرهاب العالمي والمتطرفين الإسلاميين؛ وما زال في وسعنا أن ننجح في تعزيز الديمقراطية والاستقرار وحماية الأقليات وحقوق المرأة والسلام في المنطقة، حتى في هذا الوقت المتأخر، إذا بنينا مساراً واقعياً واتبعناه. لكننا إذا أردنا تقليص العبء العسكري والمالي الضخم الذي تحمله أميركا، ورفعَ عدد فرص النجاح إلى الحد الأقصى، فإننا سنحتاج إلى المساعدة من الآخرين. ولن تكون متطلبات الحصول على المساعدة مقتصرة فقط على إقناع أصدقائنا وحلفائنا بأننا نشاطرهم المصلحة في منع الإخفاق، بل سيتطلب ذلك إعطاءهم صوتاً ذا شأن ودوراً مهماً في شؤون العراق. وذلك هو السبيل الوحيد إلى تشكيل تعاون حقيقي، وهو ما آن منذ زمن بعيد أوان فعله.
وفي الأشهر القليلة الماضية، اتخذت إدارة بوش بعض الخطوات الضرورية. ومن ذلك أنّها عملت من خلال الأمم المتحدة لإضفاء الشرعية على حكومة عراقية مؤقتة ولدعوة الدول الأخرى إلى المشاركة بالقوات وبالمساعدة المالية. غير أننا نحتاج إلى خطة أوسع وأكبر نطاقاً إذا كان المراد أن نكسب المساعدة الحقيقية الكبيرة المطلوبة. ولذلك نحن مضطرون الآن إلى جعل حلفائنا يتجاوزون الاستياء الذي يشعرون به حيال دبلوماسية إدارة بوش التي منيت بالإخفاق، وذلك بحيث يكون في وسعهم أن يركّزوا على مصلحتهم في مكافحة الإرهاب وتعزيز السلام. والسبيل الأفضل إلى تحقيق ذلك هو منح الحلفاء والأصدقاء الصلاحيات وأسباب القوة في مستقبل العراق.
وعلى الجبهة الاقتصادية، يعني ذلك إعطاء الحلفاء والأصدقاء إمكانية عادلة للوصول إلى عقود إعادة إعمار العراق المقدّرة بمليارات الدولارات. ويعني ذلك أيضاً أن نسمح لهم بالمشاركة في إعادة تجميع قطاع النفط العراقي المفكك والمربح. وفي مقابل ذلك، يجب على هؤلاء إعفاء العراق من الديون المستحقة عليه لبلدانهم وهي الديون المقدّرة بمليارات الدولارات والتي ترتبت على العراق في عهد صدّام حسين، كما يجب عليهم أن يدفعوا حصة لا بأس بها من فاتورة إعادة إعمار العراق.
وينبغي علينا إضافة إلى ذلك أن نعطي حلفاءنا وأصدقاءنا دوراً قيادياً في السعي إلى بلوغ الأهداف الاستراتيجية الأوسع في المنطقة. وباعتبارنا شركاء، ينبغي علينا أن نعقد مؤتمراً إقليمياً مع الدول المجاورة للعراق. ومن شأن مؤتمر كهذا أن يكون له هدفان اثنان. فأولاً، ينبغي لهذا المؤتمر أن يؤمّن الحصول من الدول المجاورة للعراق على تعهدات باحترام حدود العراق وبعدم التدخل في شؤونه الداخلية؛ وثانياً، ينبغي أن يتم فيه إلزام الزعماء العراقيين بتوفير حماية واضحة للأقليات، وبذلك تتم إزالة مبرر رئيسي للتدخل الخارجي الممكن في الشؤون الداخلية لبلدهم. وينبغي علينا كلنا معاً أن نبدأ الانخراط على نطاق واسع في التنسيق مع مفوض دولي أعلى بغية تنسيق المساعدات الاقتصادية المقدمة إلى العراق وتنظيم وتنفيذ هذه المبادرات الدبلوماسية.
عندئذ، وبعد اتخاذنا هذه الخطوات الدراماتيكية، سيكون في وسعنا أن ندعو حلف شمال الأطلسي "الناتو" على أساس واقعي إلى الارتقاء إلى مستوى مسؤولياته. وينبغي هنا أن يكون هدفنا هو استخراج التزام من حلف "الناتو" بنشر جزء كبير من قوة حفظ السلام التابعة