في كتابه الذي نعرضه هنا، وعنوانه "اليمن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية... البحث عن الاندماج"، يحاول الباحث اليمني محمد سيف حيدر، استكشاف إمكانات التحاق اليمن بالمنظومة الخليجية في ظل المعطيات والتطورات الراهنة، فيبحث في دوافع طرفي العلاقة وعوائقها وواقعها الراهن، وصولاً إلى استشراف مستقبل العملية الاندماجية وما ستؤول إليه، في ضوء المتغيرات التي أخذت تفرض نفسها على صناع السياسات في اليمن وفي الدول الخليجية على حدٍّ سواء. وبداية يلاحظ المؤلف أن المدركات الخليجية إزاء اليمن وموقعه في المنظومة الإقليمية، بدأت في السنوات الأخيرة تنحو نحو تقبل فكرة استيعاب اليمن واحتضانه خليجياً كأمر ضروري، بحكم الواقع الجغرافي والتداخل الديمغرافي والمشتركات الثقافية ووحدة الهواجس الأمنية... لاسيما أن شبه الجزيرة العربية تظل وحدةً طبيعية، ومن ثم فسيكون صعباً من الناحية العملية إقصاء اليمن، بل من الضروري دمجه ضمن إطار مؤسسي مادام ذلك ممكناً. لذا تبدو العلاقات اليمنية الخليجية اليوم في حالة "أكثر من جيدة"، مقارنة بسنوات خلت؛ إذ تشهد حراكاً متصاعداً عبر عن نفسه بأشكال مختلفة. لكن هذا المشهد الظاهر، كما يقول المؤلف، يخفي بين ظلاله تعقيدات جمة وعوائق يصعب تجاوزها من دون دفع أثمان باهظة ترهق طرفي العلاقة بأعباء كبيرة. لذلك لا زالت العملية التكاملية بينهما تتحرك ببطء واضح، وتقتصر على "معيار" وحيد هو "التأهيل من أجل الاندماج"، فضلاً عن عدم وجود آلية واضحة للمتابعة والدعم المؤسسي كالتي نجدها في تجمعات تكاملية إقليمية أخرى (الاتحاد الأوروبي مثلاً)، ومن ثم فاحتمال حدوث نكسة أو تراجع في العملية التكاملية يظل أمراً وارداً في أي لحظة. فاليمن، كما يقول المؤلف، يعاني خللاً في أداء آلته الإنتاجية، وفي هياكله الاقتصادية، وبناه التحتية، وأساليبه الإدارية. فضلاً عن انخفاض مستوى العمالة اليمنية التي لم تملك بعد قابليات تنافسية في مواجهة العمالة الوافدة المتواجدة في الخليج العربي حالياً. كما تراود الكثيرين شكوك حول الأوضاع الأمنية المرتبطة بالبيئة الملائمة للاستثمار في اليمن. هذه التحديات وغيرها تخلق نوعاً من الشروط المسبقة التي ينبغي على اليمن الوفاء بها، وعلى نحو يجعله عنصراً مطلوباً في مجلس التعاون، وليس كمجرد عنصر يطلب الانضمام إلى المجلس. وهذا تحديداً ما يفرض على اليمن تبني سياسات تقنع دول الخليج بأهميته عملياً لمجلسها. فالدولة اليمنية مطالبة اليوم بمواصلة جهودها من أجل تحديث المؤسسات، وتطوير السياسات، وبناء القدرات، والتصدي للبيروقراطية والفساد، وفرض سيادة القانون. ولا شك أن اليمن يدرك جيداً أن الإسراع في عملية اندماجه خليجياً مرهون بما ينجزه هو في مجال إصلاح نفسه وتحسين أوضاعه والنهوض بشعبه؛ ولهذا أعلن في مطلع عام 2008 "خريطة طريق" محددة المسارات والمدى الزمني، ثم طوّرها لاحقاً لتتخذ شكل مصفوفة ذات مسارات محددة، تركز أساساً على الشق الاقتصادي من عملية الاندماج، لاعتقاد الحكومة اليمنية أن ذلك سيساعدها في تنفيذ الإصلاحات المختلفة، والتي ستعمل بدورها على زيادة إمكانيات تحقيق النمو والارتقاء بمستويات التنمية البشرية في البلاد. وعليه، فقد حددت المصفوفة خمسة مسارات رئيسية ومتوازية لتأهيل اليمن والتسريع باندماجه في المجلس: مسار الشراكة التجارية ودورها في عملية التكامل الاقتصادي واندماج اليمن في اقتصاديات دول مجلس التعاون، ومسار الشراكة الاستثمارية لتعزيز اندماج الاقتصاد اليمني وتكامله مع الاقتصاديات الخليجية، ومسار العمالة اليمنية وتأهيلها لتلبية احتياجات سوق العمل في دول مجلس التعاون، إلى جانب مساري التمويل والبناء المؤسسي اللازمين لتأهيل اليمن للاندماج الكامل في المنظومة الخليجية. ولا يتصور المؤلف إمكانية اندماج اليمن في المنظومة الخليجية بمعزل عن سيناريوهين اثنين يقعان على طرفي نقيض، لكنهما يؤديان إلى النتيجة نفسها. أولهما السيناريو الأكثر تفاؤلاً، وهو "الاندماج الخليجي الناجح"، وينطوي على خصائص أهمها: حصول تقدم ملحوظ في عملية اندماج اليمن اقتصادياً، وتقارب مستويات الدخل والتنمية، وحدوث تحركات موجهة ومنتظمة للقوى العاملة اليمنية... مما يعزز دور اليمن في التجمع الخليجي، ويقوي موقفه من أجل نيل العضوية الكاملة. أما السيناريو المتشائم، وهو "الاندماج الخليجي الفاشل"، فيرى أن الوضع سيظل على حاله، وأن اليمن لن يستطيع اللحاق بركب دول مجلس التعاون المزدهرة، بل سيشهد اتساعاً لظاهرة الفقر فيه ونفاداً لموارده النفطية دون وجود بدائل تعوضها... مما سيفاقم أزماته اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. وفي ظل سيناريو كهذا سوف يتبخر الحلم اليمني بالاندماج على الأرجح، ما لم تُسارِع الدول الخليجية لانتشاله من مأزقه والعمل على تأهيله بهدف دمجه في منظومتها الإقليمية، جزئياً أو كلياً. محمد ولد المنى الكتاب: اليمن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية... البحث عن الاندماجية المؤلف: محمد سيف حيدر الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2010