أصدر مركز "غالوب" الأميركي في أحدث دراساته تقريراً يحمل عنوان "التصورات الدينية في أميركا مع تحليل دقيق للاتجاهات الأميركية نحو المسلمين والإسلام"؛ وقد كشف التقرير موقفاً سلبياً ضد الإسلام، (63 في المئة من الأميركيين يقولون إن معرفتهم بالدين الإسلامي قليلة جداً إن لم نقل منعدمة، في حين جاء تحيزهم ضد الديانة المسيحية بنسبة 18 في المئة واليهودية بنسبة 15 في المئة والبوذية بنسبة 14 في المئة). إنها حقاً أرقام مخيفة، وكراهية آخذة في التصاعد على نحو مقلق، ومن ثم فهي بحاجة إلى دراسة حقيقية لصياغة رد مثل هذه الإسلاموفوبيا دفاعاً عن انتمائنا وهويتنا الحضارية ودفاعاً عن مصالحنا الاستراتيجية في الساحة الدولية. إن المشكلة الكبرى في هذه الكراهية للعرب والمسلمين أنها أصبحت صناعة منهجية محكمة بدأت تتمتع باستقلاليتها الذاتية وتتغذى ذاتيّاً، وهناك مؤشرات ومعطيات وقوى ظاهرة وخفية توحي بأن هذه الصناعة في تطور مستمر إذا لم تهدم تلك الصناعة من أساسها، ولم تزل أسبابها، فنجد أنفسنا أمام مجتمع تزيد نيران كراهيته للإسلام والمسلمين، وتتغذى بضروب من الكتابات والأفلام والمسلسلات والمنتجات المروجة لآلة الكراهية تجاه الإسلام ومعتنقيه بدعم مالي من ممولي مثل هذه الحروب. وإذا بدأنا بالجانب العربي وموقف العرب والمسلمين من الأميركيين، فبالإمكان القول دون أدنى شك، إن نظرتنا المؤسسة كانت "ثقة متأصلة" ولم تكن إطلاقا "كرهاً متأصلا". فمنذ بداية القرن التاسع عشر إلى حدود منتصف القرن العشرين، لم يرَ العرب في أميركا قوة استعمارية متسلطة بل حسبوها شريكاً تجاريّاً واستراتيجيّاً خلافاً لبعض القوى الأوروبية كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا التي كانت قوى استعمارية ومتسلطة بامتياز سالبة لكل الحريات والثروات. وزيادة على ذلك كانت الولايات المتحدة الأميركية تنأى عن التدخل في مشاكل العالم القديم وفقاً لـ"مبدأ مونرو" والتورط السياسي فيما كان يعرف بـ"الشرق الأدنى" قبل أن يعرف بـ"الشرق الأوسط" منذ الحرب العالمية الثانية، غير أن سياسات الإدارات الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت تحدث شرخاً في جدار هذه الثقة بسبب سياستها الخارجية تجاه المنطقة وبخاصة تأييدها اللامشروط لإسرائيل والذي بدا مستعصيّاً على أي تغيير، ومتطلبات النظام العالمي الجديد، وما فرضه من منظومة جديدة في توزيع القوة، ومن ترابط العناصر المكونة لهذا النظام، ومن عوامل الاصطفاف السياسي التي جعلت الإدارات الأميركية تتدخل لحماية مصالحها البترولية في المنطقة مما أفضى إلى وجود عسكري أميركي غير مسبوق في الخليج. وإذا رجعنا إلى دراسة وتحليل الصورة النمطية التي يحملها الأميركيون عن العرب والمسلمين، سيكون من الجهل بالحقائق ومن السعي إلى عدم التخلي المنهجي عن الأفكار المسبقة القول إن نوعية الكراهية مستحكمة ومتأصلة. فلم تكن لدى الأميركيين أدنى صورة عن العرب والمسلمين إلى حدود الحرب العالمية الثانية، وما وصلهم لم يتعد حدود قصص منقولة عن "ألف ليلة وليلة" وروايات عن العهود الصليبية وبعض كتب الاستشراق، وهذا طبعاً يخالف مسار الصور النمطية التي عند الأوروبيين عن العرب والمسلمين، فالقرب الجغرافي وعوامل الاستعمار جعلت أوروبا تظن أنها تملك التفوق الثقافي وتقيم علاقاتها على أساس هذا التفوق، ولا يزال هذا الشعور قائماً إلى يومنا هذا، ومن ثم رسخت أوروبا في مخيلة شعوبها أفكاراً باطلة عن كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين. وهنا نفهم جليّاً أن جهوداً كبيرة بذلت لصنع الكراهية الأميركية تجاه المسلمين وذيوعها ورسوخها وإن كانت بالشكل الذي لا تعكس معه الواقع ولا تنبعث من نتائج عملية تطورية ومتدرجة وطبيعية. فالصور النمطية المستحدثة غالباً ما يكون مصدرها الجهل، وتتغذى بالصور والأحداث والروايات والكتابات المدعمة، التي تنمو باستصدار نظريات تقول في خطى برنارد لويس وصمويل هنتينغتون، إن العالم انتقل من صراع القبائل إلى صراع الدول ومن التنافس بين الدول إلى التنافس بين الكتل، ومن التنازع بين الكتل إلى صدام الحضارات، وإن الحضارة الإسلامية هي الحضارة المرشحة لكي تكون الأكثر عنفاً وصداماً مع الحضارات الأخرى في العالم. ومنذ سنوات وصفوة من الباحثين المنصفين العرب يحاولون الإجابة عن السؤال: "لماذا يكرهوننا؟" إلى أن وقعت جريمة مركز التجارة العالمي في نيويورك؛ فانحجب سؤالنا وحل مكانه سؤالهم، ولكن بنفس عدد الألفاظ: "لماذا يكرهوننا؟" قبل أن يتوارى السؤال شيئاً ما ليفسح المجال للانتقام بعد أحداث 11 سبتمبر بدل الحوار، إلى أن تقاسم الطرفان السؤال معاً. وقد أشارت نتائج دراسة "غالوب" إلى أن كراهية الأميركيين للإسلام تفوق كراهيتهم للمسلمين (53 في المئة من الأميركيين المستجوبين) وجزء كبير منهم لا يتوفرون على معلومات كافية عن الدين الإسلامي، وما جاء في هذا التقرير يبين بوضوح أسباب انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا. فالجهل بالإسلام، والأهمية البالغة التي توليها وسائل الإعلام للنزاعات الدائرة في عالمنا العربي، والتأويل الأحادي الشائع عن الثقافة العربية، أي هذا الخليط من العداوة والتبسيط، نما ويغذي الصورة التي رسمت عصوراً خلت في أوروبا عن "الإنسان الإسلامي" (Homo Islamicus) كعنصر مهدد وعنيف ورجعي. والمصيبة الكبيرة التي ليس لها من دون الله كاشفة، أن صناعة الكره هذه تخضع لعمليات تأصيل فكرية تعتمد في الأوساط الفكرية والمجامع العلمية إلى أن تصل إلى أماكن القرار. أخاف أن تترك الكراهية على أشدها، فالأميركي العادي، يحب أو يكره الشيء الذي يراه بعينه واضحاً وملموساً، وهذا دأبه اليومي الذي فرضته عليه قواعد "الحكم الأميركي"، وينطبق هذا على نظرته للإسلام والمسلمين، ولذلك غالباً ما يطرح عليك سؤاله، "من يمثل المسلمين في العالم؟". فلابد أن يجتمع ذوو العقل من الجانبين لإيقاف حملة الكراهية وتوضيح وبيان حقائق الإسلام، وبالطريقة الخاصة التي يفهمها الأميركي العادي، فالإنسان عدو لما يجهل، والكراهية كحالة معقدة يمكنها أن تكبر وتصبح شاملة للسياسة والمجتمع، ولسلوك الأفراد والجماعات.