صادفت عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ذات التاريخ الذي عبرت فيه قوات روسية حدوداً دولية معترف بها قبل عامين. وهاجمت جورجيا كلها بالمقاتلات الجوية الاستراتيجية، وتوغلت إلى عمق الأراضي الجورجية، ما أسفر عن تشريد ما يقارب الـ127 ألف مواطن من منازلهم. وقد طرأت تغيرات كثيرة خلال العامين الماضيين، بيد أنها ليست تغيرات نحو الأفضل. فروسيا لم تكتف بالسيطرة على أراض جورجية فحسب، بل تواصل بناء قواعد لها هناك، وتمنع وصول المراقبين الدوليين، كما تواصل موسكو مساعيها الرامية إلى تحويل الحدود الإدارية القائمة الآن في الإقليمين المنفصلين عن جورجيا إلى حدود ثابتة. ولا يزال ما يزيد على 100 ألف مواطن جورجي ممن فروا أمام الغزو الروسي من بيوتهم يصنفون بين النازحين، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. ولا تزال روسيا إلى اليوم تنتهك التزامات وقف إطلاق النار التي أبرمتها مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وعلى رغم استمرار هذا التوتر الأمني، لم تكف جورجيا عن محاولة التقدم إلى الأمام. ويشارك في المعارك التي نخوضها في المناطق الأكثر خطورة في أفغانستان، ما يقارب الألف جندي جورجي. كما تواصل جورجيا تعزيزها لسيادة القانون، ومحاربة الفساد، إضافة إلى توسيع نشاطها الاقتصادي وتحسين اقتصادها الذي يصنفه البنك الدولي في المرتبة الحادية عشرة عالمياً بين اقتصادات الدول الأفضل للنشاط الاستثماري. في الوقت نفسه تمت الإشادة بانتخابات عمدة العاصمة تبليسي التي جرت العام الحالي، باعتبارها انتخابات حرة ونزيهة. وبينما تستمر عملية الإصلاح السياسي الجارية في جورجيا، وصف ممثلون للبرلمان الأوروبي انتخابات تبليسي الأخيرة بأنها خطوة حقيقية نحو النمو الديمقراطي في ذلك البلد. أما في روسيا، فالضغوط لا تزال تلاحق المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا يزال هؤلاء يتعرضون لسوء المعاملة. ففي عطلة نهاية الأسبوع الماضي، تعرض للضرب والاعتقال عدد من المشاركين في موكب احتجاجي سلمي -بمن فيهم نائب رئيس الوزراء السابق، بوريس نيمتسوف- لمجرد ممارستهم لحقوقهم الأساسية التي كفلها لهم الدستور الروسي. وفيما لو أراد الرئيس الروسي نموذجاً للحداثة السياسية الاقتصادية، فعليه الالتفات إلى جورجيا. وعلى إدارة أوباما أن تلتفت إلى جورجيا أيضاً، فيما لو كانت بحاجة إلى علاقة ينبغي إعادة ترتيبها. ولكن تبدو الإدارة أكثر حماساً لتوطيد علاقاتها مع روسيا الاتحادية، من دعم دولة ديمقراطية صديقة لأميركا مثل جورجيا التي لا تزال تعيش تحت خطر التهديد المستمر من محيطها الإقليمي. وأطالت الإدارة مكالماتها الهاتفية مع الرئيس ميدفيديف، بينما أكثرت من اجتماعاتها به، دون أن تحصد ثمرة دبلوماسية تذكر من تلك الاتصالات واللقاءات. وفي المقابل لم تظهر الإدارة حماساً مماثلاً للانخراط الدبلوماسي مع القيادة الجورجية، سواء بغرض دعم تطلعات جورجيا للانضمام إلى حلف الناتو، أم مساعدة تبليسي على إعادة بناء دفاعاتها العسكرية، أم لمجرد تسمية الوجود العسكري الروسي في الأراضي الجورجية إلى الآن، بأنه احتلال عسكري، ناهيك عن ممارسة الضغوط المستمرة على روسيا بهدف إرغامها على الانسحاب. يجدر بالذكر أن البيت الأبيض ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أعلنا مؤخراً تصريحات جد مشجعة بشأن دعم جورجيا ومساندتها. ولكن يتعين عليهما الآن ترجمة تلك البيانات والإعلانات إلى سياسة إيجابية ملموسة. وإذا ما كان الرئيس الروسي ميدفيديف جاداً بالفعل إزاء رؤيته التي تتطلع إلى سيادة القانون والحكم الرشيد، فإن عليه أن يطبق على حكومته الاتفاق الدولي الذي قطعه على نفسه بإعادة الجنود الروس إلى مواقعهم السابقة التي كانوا يرابطون فيها خارج الحدود. ومن ناحيتها تستطيع إدارة أوباما مطالبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بتطوير خريطة طريق مع روسيا، تهدف إلى وضع حد للاحتلال العسكري، وتمهيد الظروف الملائمة لانسحاب القوات الروسية من الأراضي الجورجية، وعودة اللاجئين والمواطنين النازحين إلى بيوتهم، واستعادة وحدة التراب الجورجي. كما تحتاج جورجيا إلى دعم الولايات المتحدة الأميركية في مجال إعادة بناء دفاعاتها. والحقيقة أن جورجيا تشارك بنصيب أكبر في القتال الدائر بأفغانستان، مقارنة بالكثير من دول حلف الناتو التي تتطلع لنيل عضويته. ومع ذلك تصارع جورجيا من أجل الحصول على المعدات الأساسية اللازمة لقواتها المتجهة إلى أفغانستان، مثل السيارات المصفحة وقطع الغيار الحربية. وخلافاً للمساعدات العسكرية القصيرة المدى، تحتاج جورجيا إلى مساعدات طويلة المدى، كي تتمكن من إعادة بناء دفاعها الوطني. ومن المرجح أن تشمل هذه المساعدات: مضادات الدبابات، والدفاعات الجوية، ونظم الإنذار المبكر بواسطة الرادار، وغيرها من المعدات والنظم ا لدفاعية الحديثة. وينبغي على تبليسي عدم إساءة استخدام هذه النظم في أي عمل عدواني ربما تشنه على الإقليمين المنفصلين عنها، حتى لا تبدو إساءة الاستخدام هذه، وكأنها تمت بمباركة أميركية. والمعلوم أن جورجيا سوف تظل دائماً أقل قوة دفاعية من روسيا. غير أن ذلك لا يقدم سبباً كافياً لتركها عرضة للخطر الأمني، عقب مضي عامين كاملين على الغزو الذي تعرضت له. يجدر بالذكر أن روسيا قد أخفقت في تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية، التي غزت من أجلها جورجيا وألحقت بها كل ذلك الدمار والأضرار المادية الفادحة. فقد صمدت حكومة جورجيا المنتخبة وبقيت في سدة الحكم إلى اليوم. وعلى العلاقات الأميركية-الروسية أن تعزز نجاحات تبليسي بدلاً من تقويضها. ولا تزال أمامنا فرصة لدعم جورجيا باعتبارها دولة ناشئة قوية حرة وموحدة، ولكن بشرط أن نتذكر من هم أصدقاؤنا الحقيقيون أولاً. ------ جون ماكين سيناتور "جمهوري" من ولاية أريزونا ومرشح سابق في انتخابات الرئاسة ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"