لقد ترأسنا نحن الإثنين وبطلب من الكونجرس الأميركي في عهد رئيسين متتاليين وعلى مدى ثلاثين شهراً جهوداً حثيثة شارك فيها أعضاء من الحزبين لتقييم خطر تعرض الولايات المتحدة لهجوم بأسلحة الدمار الشامل. وقد اقترحنا جملة من الخطوات لدرء الخطر واحتواء التهديد، وهكذا خلصت اللجنة التي ترأسناها حول منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب في شهر ديسمبر من العام 2008 إلى أنه ما لم يتحرك المجتمع الدولي بالسرعة المطلوبة ويتخذ الإجراءات اللازمة، فإن هناك احتمالات كبيرة بأن يشهد العالم هجوماً إرهابياً تستخدم فيه تلك الأسلحة بحلول العام 2013، وأن هجوماً بيولوجياً هو الأرجح مقارنة بالهجوم النووي، وهي الخلاصة التي تبناها رسمياً مدير الاستخبارات الوطنية وقتها، "مايك ماكونيل". ومنذ ذلك الحين والمعلومات تترى بشأن احتمال قيام دولة من الدول بتزويد عناصر غير خارجة عن إطارها بأسلحة بيولوجية متطورة للقيام بعمل إرهابي، والنتيجة التي ستترتب على ذلك لن تقتصر على وفاة بضعة أشخاص كما حصل في هجوم الجمرة الخبيثة قبل بضع سنوات بعدما وصلت إلى الضحايا عبر البريد العادي، بل سيرتفع عدد الضحايا في الهجوم البيولوجي المتوقع إلى أرقام مفزعة كما حذرت من ذلك وثيقة مجلس الأمن الوطني خلال نوفمبر من العام 2009. فمن شأن انتشار عنصر بيولوجي سام بين أوساط مدنية غير محمية أن يتسبب في سقوط أعداد كبيرة من القتلى ويعرض حياة شرائح واسعة من المواطنين في المناطق القريبة من الهجوم للخطر. لكن الأخطر حسب الوثيقة هو عجز المنشآت الصحية عن التعامل مع العدد الكبير من القتلى، فيما سيتكبد الاقتصاد خسائر فادحة قد تفوق تريليون دولار في كل هجوم يستهدف الولايات المتحدة. والحقيقة أنه عندما نشرت اللجنة التي أشرفنا على رئاستها التقرير التقييمي منحنا الحكومة الأميركية علامة متدنية فيما يتعلق بجاهزيتها وقدرتها على التصدي لهجوم بيولوجي، هذه الجاهزية في حال الوصول إليها، والتمكن من متطلباتها من شأنها مساعدة الولايات المتحدة من ناحيتين؛ أولاً سيكون للمقدرة العالية على التعامل مع الهجوم البيولوجي والتقليل من خسائره وقع الردع على كل من يفكر في استهداف الولايات المتحدة، ما دامت تتوفر على القدرات المطلوبة للتصدي. وثانياً وبصرف النظر عن التأثير الخارجي للتوفر على الجاهزية المناسبة سيكون ذلك مفيداً داخلياً في حال وقوع الهجوم حيث سنتعامل بكفاءة أكبر مع الحالات المصابة. وفي هذا الإطار عدد التقرير الذي أصدرناه ستة مجالات رئيسية يمكنها التخفيف من تداعيات الهجوم في حال وقوعه وهي: الرصد والتشخيص، والمعلومات المفيدة للقادة وصناع القرار التي بموجبها يتعاملون مع الهجوم، والحصول على إمدادات كافية من المواد الطبية الضرورية، والقدرة على توزيعها بالسرعة اللازمة، ثم التمكن لاحقاً من تنظيف البيئة وإزالة المواد البيولوجية. ومن بين كل هذه الإجراءات المهمة تبقى الأكثر حساسية التوفر على الإمدادات الطبية الضرورية للتعامل مع الحالات المصابة ومعالجة الضحايا، فما لم نتوفر على المضادات الحيوية لمقاومة الهجوم البيولوجي، لن تفيد باقي الإجراءات، كما لن تنفعنا جاهزيتنا في التقليل من القتلى، وتماشياً مع هذه الجهود وتطبيقاً للتوصيات التي خرج بها التقرير أقام الكونجرس في العام 2004 صندوقاً خاصاً أسماه بـ"الذراع الاستراتيجي لمقاومة الهجوم البيولوجي" توجه أمواله لشراء اللقاحات المطلوبة والعلاجات اللازمة لحماية الأميركيين من التأثيرات المميتة لأي هجوم بيولوجي، أو كيماوي، أو غيره. والأكثر من ذلك كان يفترض بالصندوق أن يكون بمثابة تعهد ثابت من الحكومة الأميركية للقطاع الخاص ليقوم هذا الأخير باستثمار مئات الملايين من الدولارات لإنتاج المضادات الحيوية واللقاحات الفعالة في إطار التدابير الطبية اللازمة لمواجهة الهجوم البيولوجي، كما نص على ذلك تقرير لجنة التقييم، بحيث تضمن المؤسسات الطبية الخاصة وشركات صنع الأدوية زبوناً دائماً لها متمثلاً في الحكومة الأميركية التي تشتري ما تنتجه تلك الشركات. فإذا كانت الشركات الخاصة ستستثمر كل تلك الأموال الطائلة وستستخرج التراخيص المطلوبة من هيئة الغذاء والأدوية لإنتاج عقاقير معينة فهي في حاجة ماسة إلى تطمينات بأن الحكومة ستكون المشتري ولن تضيع استثماراتها سدى، وهو بمثابة التحفيز الذي توفره السلطات إلى الشركات الخاصة لتشجيعها على إنتاج الدواء. لكن ما جرى في السابع من شهر يوليو الماضي ينذر بتغيير هذا الواقع وتقويض ذلك التحفيز بعدما تعرض الصندوق لهجوم في مجلس النواب وطالب بإلغائه للإنفاق على برامج أخرى، وفي الوقت الذي التزم فيه البيت الأبيض الصمت، تدخل بعض أعضاء مجلس الشيوخ لإنقاذ الصندوق من خلال معارضة مشروع القانون المطروح في مجلس النواب. والحقيقة أنه بإصرارنا على الاستمرار في تمويل الصندوق، نريد أن نتفادى الأخطاء التي سقطت فيها الولايات المتحدة سواء عندما تجاهلت الإشارات القوية المحذرة من الانهيار المالي في 2008، أو عندما تعلق الأمر بكارثة تسرب النفط في خليج المكسيك، فهذه المرة نضع أمام الحكومة تدابير فعالة لمواجهة الأسوأ في حال تعرضنا لهجوم بيولوجي بدل من مجرد الاكتفاء بردة الفعل كما حصل في المناسبات السابقة. ولئن كان هذا الجهد يحظى بدعم كبير من قبل المسؤولين في الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" لما فيه من مصلحة وطنية عليا، فإن الحكومة مطالبة بتبني الموقف ذاته والمسارعة إلى تطبيق الخطوات التي جاءت في التقرير لتجنيب الأميركيين الأخطار المحدقة بأمنهم. بوب جراهام سيناتور "ديمقراطي" سابق بمجلس الشيوخ الأميركي تيم تالنت سيناتور "جمهوري" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"