يجب أن يُنظر إلى الجولة التي قام بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لأربع دول هذا الأسبوع على أنها محاولة جسورة لنزع الفتيل عن وضع إقليمي خطير من ناحية، ومن ناحية أخرى، تأكيد استقلال عملية اتخاذ القرار العربي بعيداً عن كافة التدخلات الخارجية. ووفقاً لمصادر دبلوماسية عربية وعالمية، يهدف العاهل السعودي، من خلال الزيارة التي قام بها لأربع دول عربية هي على التوالي: مصر، وسوريا، ولبنان، والأردن، لتحقيق عدة أهداف طموحة يمكن بيانها على النحو التالي: تجنب التهديد الخاص بتجدد الحرب الأهلية في لبنان، وتعزيز العلاقة السورية- اللبنانية، وتشجيع المصالحة بين "فتح" و"حماس" خصوصاً في هذه المرحلة الحاسمة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وأخيراً إرسال إشارة إلى واشنطن مفادها أن العرب يشعرون بخيبة أمل بسبب سياسة أوباما الشرق أوسطية، التي مازالت منحازة لإسرائيل بشكل صارخ كما تشير إلى ذلك العديد من الدلائل. وعلى ما يبدو، فإن الوضع اللبناني غير المستقر، هو الذي كان الدافع الأول وراء المبادرة الدبلوماسية التي قام بها الملك عبدالله، وخصوصاً بعد المعارك الكلامية التي احتدمت بين "حزب الله"وجبهة خصومه التي تضم المسيحيين المتعصبين، وبعض أعضاء تيار"المستقبل"، وهي معارك وصلت إلى درجة التهديد بوقوع أعمال عنف، وكان الموضوع الذي دارت حوله هو القرار الوشيك لـ"المحكمة الدولية الخاصة بلبنان" في قضية اغتيال رفيق الحريري. فوفقاً لبعض التقارير المقلقة التي تسربت، فإن تلك المحكمة تستعد في الوقت الراهن لإصدار قرار يدين عدداً من أعضاء "حزب الله" اللبناني باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق "رفيق الحريري" في الرابع عشر من فبراير 2005. وهذه التقارير، دفعت نصر الله إلى شجب المحكمة ووصفها بأنها" أداة إسرائيلية"، مشيراً في سياق التدليل على ذلك إلى القبض على عدد من شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان في الآونة الأخيرة. وتعهد نصر الله في عبارات قاطعة بأنه لن يُقدم مهما كان الأمر على تسليم أي عضو من أعضاء حزبه للمحكمة إذا ما طالبت بذلك. من ناحية مقابلة يصر خصوم "حزب الله"، بأنه ما لم يتم تقديم قتلة الحريري للمحكمة بصرف النظر عن هويتهم، فإنه لن يكون هناك سلام داخلي في لبنان. والموضوع في الحقيقة يمتد لما وراء لبنان، فمن الواضح أن "حزب الله"، ينظر إلى تلك التقارير على أنها محاولة لتشوية سمعة المقاومة اللبنانية، وإشعال فتنة داخلية، وتزويد إسرائيل بالفرصة والذريعة لمهاجمة لبنان، كما فعلت عام 2006 في محاولة جديدة لتدمير الحزب الذي ترى أنه يشكل تهديداً بالنسبة لها. والقمة الثلاثية التي عقدت في بيروت بين العاهل السعودي، والرئيس السوري، والرئيس اللبناني، بالإضافة إلى العديد من اللقاءات الجانبية، أدت إلى حد ما إلى تخفيف حدة التوتر، وتهدئة المخاوف من اندلاع حرب. ومن بين النتائج الضمنية لتلك القمة قبول السعودية بشرعية الانخراط السوري في الشأن اللبناني، وكذلك توجيه إنذار لإسرائيل مؤداه أن أي هجوم جديد تفكر في شنه على لبنان سوف يواجه بجبهة عربية موحدة وأن الأمر سوف يكون مختلفاً عما حدث عام 2006. في الوقت نفسه، تعرضت المحاولات الأميركية للحد من نفوذ سوريا في لبنان، ومعاقبتها على علاقاتها مع إيران و"حزب الله"، ولوضع الرياض في مواجهة مع دمشق إلى الإدانة والشجب. فقد جاء في بيان شديد اللهجة صادر عن وزارة الخارجية السورية ما يلي:"ليس من حق الولايات المتحدة أن تحدد لنا نوع علاقاتنا مع دول المنطقة، أو أن تتدخل في مضمون المحادثات التي يجريها العاهل السعودي في دمشق... فسوريا والسعودية يعرفان أفضل من أي أحد آخر مصالح شعوب المنطقة، وكيفية تحقيق تلك المصالح، دونما حاجة لتدخل خارجي من أي جهة...". وهناك زعيم عربي مهم آخر، زار بيروت هذا الأسبوع للدعوة للسلام والمصالحة، وهو أمير قطر، الذي قامت دولته بتمويل عملية إعادة بناء قرى الجنوب اللبناني التي دمرتها إسرائيل أثناء العدوان الذي شنته على لبنان عام 2006. ونظرا لأنها الدولة التي رعت اتفاقيات الدوحة عام 2008 ـ التي منحت لبنان أول حكومة مستقرة بعد 18 شهراً من الجمود والانسداد السياسي ـ فإن قطر هي الأخرى تعتبر لاعباً رئيسياً في الساحة اللبنانية. وهذا الزخم من النشاط الدبلوماسي العربي، مقصود به إفهام جميع العناصر المتطرفة التابعة للفرقاء اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم، أن الراعين العرب لن يسمحوا باللجوء مجدداً لاستخدام العنف. ومن بين الدروس الأخرى التي يمكن الخروج بها من ذلك التجمع العربي، والزيارة المشتركة التي تحمل قيمة رمزية كبرى التي قام بها العاهل السعودي والرئيس السوري إلى بيروت، هو أن العلاقات بين سوريا ولبنان تواصل تطورها الإيجابي، وأن الوفاق الذي تحقق بين البلدين، يتمتع في الوقت الراهن بمباركة من العاهل السعودي، الذي يعتبر أكثر الزعماء نفوذاً في المشهد السياسي العربي. وفي المحادثات التي أجراها مع مبارك بمنتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر، قبل الزيارات التي قام بها لكل من سوريا ولبنان والأردن، بدا الملك عبدالله حريصاً للغاية على تشجيع الرئيس المصري على مواصلة جهود الوساطة التي يقوم بها بين الفصيلين الفلسطينيين المتنازعين "فتح" و"حماس" وفقاً لخطوط اتفاقية مكة التي عقدت بينهما برعاية سعودية في فبراير 2007. ففي غياب جبهة فلسطينية موحدة، سوف تواصل القضية الفلسطينية تراجعها خصوصاً وأن العلاقات بين ذينك الفصيلين المتناحرين، قد وصلت إلى درجة من الانسداد الباعث على اليأس خصوصاً على ضوء معارضة "حماس" التامة، لأية مفاوضات مع إسرائيل في الظروف الحالية، وهو الموقف الذي عبرت عنه صراحة في مناسبات عديدة. أما رئيس السلطة الفلسطينية، فيجد نفسه الآن في مأزق صعب، وهو يحاول اتخاذ قرار بشأن الانتقال من المفاوضات غير المباشرة التي تتم تحت رعاية "جورج ميتشيل"، مبعوث أوباما الخاص للمنطقة، إلى المفاوضات المباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد بنيامين نتنياهو. جوهر هذا المأزق هو أن المفاوضات غير المباشرة لم يكن لها أي مردود: فتجميد نتنياهو الجزئي لأعمال البناء في المستوطنات لمدة عشرة شهور فقط، لم يحل دون استمرار أعمال البناء الإسرائيلية الواسعة النطاق، خصوصا في القدس الشرقية العربية، في الوقت الذي أخفقت فيه واشنطن المهتمة بمصلحة إسرائيل واللامبالية بمصلحة جيرانها العرب، في تقديم الضمانات الكافية التي طلبها"عباس" للانتقال إلى المفاوضات المباشرة. وجميع القادة العرب على علم بإحجام أوباما، أو عدم قدرته في الحقيقة، على بذل أقل قدر ممكن من الضغط على إسرائيل، خصوصاً في هذه الفترة التي تسبق انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل، بل وحتى بعد ذلك التاريخ. وهذا الشلل الأميركي، على وجه التحديد، هو الذي دفع العاهل السعودي إلى الدخول إلى الساحة، ودعوة العرب إلى رأب الصدع وتوحيد الصفوف.